عيد يناير والأمازيغية في الجزائر


كمواطن جزائري، أود أن أدلي برأيي في موضوع الأمازيغية، التي تم ترسيمها في الدستور واقرارها كلغة وطنية وتعميمها في الجزائر دون استفتاء، وكذا اقرار يناير كيوم وطني للاحتفال برأس السنة الأمازيغية كما جاء في وسائل الاعلام اليوم، ونسب المرسوم الى بوتفليقة... الذي لم نسمع صوته منذ 2012. صادف هذا القرار الارتجالي يوم وفاة هواري بومدين. ويبقى السؤال مطروحا لماذا أختير هذا القرار في هذا اليوم طالما أن بوتفليقة محسوب على بومدين؟

مبدئيا ليست لدي أية عقدة من تعلم أية لغة في العالم، وليست لدي أية عقدة للتعرف على ثقافات الآخرين، بل بالعكس أرى في ذلك ثراء ثقافيا ولغويا، يفتح عيناك على كثير من الموضوعات لكي تراها من زوايا مختلفة وبنظارات مختلفة وبألوان مختلفة وتتذوقها بألسنة مختلفة.

وعندما أقول هذا الكلام، فهو ليس مغازلة أو طلب ودّ لأحد، بل أقول ذلك من باب الايمان والاقتناع، وتجربتي في طلب العلم بالجامعة الفرنسية مع أجناس مختلفة، جعلتني أرى كثيرا من القضايا التي لم أكن أراها دون ذلك التبادل الثقافي والمعرفي.

فإذا كان هذا الثراء والتبادل الثقافي مع أجناس مختلفة، يجعلك ترى الاشياء بمنظار مختلف، أفلا يكون من باب أولى مع أبناء بلدي الجزائر، الذين تربطني بهم علاقات الدم والوطن والدين والجغرافيا؟

وإذا كان قبولي بأن يحتفل المسيحي واليهودي والبوذي والنباتي بأعيادهم، ونعيش في بلد أجنبي مع بعض، في أمن وسلام، بل أصبح الاحتفال برأس السنة الميلادية في الجزائر معتادا، أليس الأحرى هو أن أقبل بعيد وطني في بلادي ومع أبناء وطني وأحتفل معهم؟

هل بالإمكان مثلا لو كانت جدتي الأمازيغية الحرة رحمها الله على قيد الحياة أن تحتفل بعيد يناير أو أن تتحدث بالقبائلية الأصيلة أن أمنعها من ذلك؟

لكن هناك أسئلة موضوعية يجب التطرق اليها، لأن ترسيم اللغة الامازيغية وتعميمها بشكل ارتجالي على المستوى الوطني، سيضر بالدرجة الأولى الأمازيغية نفسها، لأنها لغة جديدة تتشكل، وسيجعلها منبوذة وممقوتة في باقي الولايات، لأن عدم اشراك القبائل الأخرى في هذه اللغة، كالشاوية والتارقية، وعدم العمل بشفافية، سيجعلان فصيلا واحدا يستأثر بهذه اللغة ويفرض ايديولوجية معينة على الجميع، خاصة إذا كانت الخلفيات سياسية.

كما أن فرض العيد الوطني يناير وعلى نفس النغمة، سيؤدي الى نفس المصير مع مرور الوقت، ما لم يتم اشراك باقي القبائل الأخرى ولربما سيؤدي الى مطالبة القبائل الأخرى بنفس المطالب، وسيجعل من فرضوا فرضا هذه القرارات، في غياب الارادة الشعبية، يواصلون في غيهم ويذهبون بالجزائر الى المجهول.

وعليه كان من الواجب إحداث نقاش وطني حول هذه المواضيع الحساسة التي تتعلق بالهوية الوطنية واختيار أحسن الظروف والسبل والوسائل لإنجاحها لأنها ستساهم في استقرار البلد وتطويره وثرائه، وهناك الكثير من الأفكار التي يمكن الاستثمار فيها لخدمة الجزائر ثقافيا وسياحيا وتاريخيا واقتصاديا

وأعتقد أن الحديث الآن حول يناير والأمازيغية في هذه الأثناء، هو محاولة أخرى من طرف النظام للهروب الى الأمام وصرف النظر عن مواضيع مصيرية، لأن مطلب الأغلبية من الشعب الجزائري ليس هو الأمازيغية ولا ترسيم عيدا وطنيا آخر، بل الحديث متمركز حول الفساد الذي وصلت اليه الجزائر من عدة نواحٍ، وغياب دولة القانون، ودولة الحريات، والدولة الاجتماعية التي تحدث عنها بيان أول نوفمبر وعن النهب الذي يأكل البلاد أكلا، وقوافل الحراقة، والتوزيع غير العادل للسكن والبطالة.

أعتقد أن تعليم اللغة يجب أن يكون في كل منطقة على حدى كما هو الشأن في فرنسا. فاللغة الوطنية هي الفرنسية، والعلم الوطني هو العلم الفرنسي، والنشيد الوطني هو النشيد الفرنسي. أما اللغات الأخرى فتدرس اختيارا، وكل منطقة بخصوصياتها.

إذا كان البعض يتحجج بأن القبائلية أقدم، فماذا نقول عن اللاتينية في فرنسا؟ مع أن اللغة الفرنسية في شكلها الحالي مستحدثة وجاءت بعد النهضة الفرنسية، وأغلب مفرداتها من اللاتينية، كما أن أكثر من 500 كلمة مصدرها اللغة العربية وهذا باعتراف الخارجية الفرنسية في اليوم العالمي للغة العربية على موقعها قبل أيام من كتابة هذا المقال.

فالشاوية حسب وجهة نظري تدرس أين يوجد الشاوية، والتارقية تدرس أين يوجد التوارق، والقبائلية تدرس أين يوجد القبائل، والميزابية تدرس أين يوجد الميزابيون... ونترك الحرية لهم.

أما فرضها على المستوى الوطني دون إجماع وطني ودون استفتاء ودون دراسات علمية وأكاديمية، فإن ذلك سيؤدي الى الاضرار بها وتعطيلها وكذا الاضرار بالوطن، لأن بوتفليقة مهما حاول العبث ومهما تفرعن وتشبث بالكرسي فإنه في النهاية ورغم أنفه سيرحل. نورالدين خبابه 27 ديسمبر2017

إرسال تعليق

[facebook]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget