من مؤتمر الصومام الى مؤتمر الجزائر !
قام بعض الشباب الجزائري من المتحمسين، وأخذوا زمام المبادرة من يد الزعيم الجزائري مصالي الحاج، وفجروا الثورة في أول نوفمبر سنة 1954 .
هاته الثورة، أربكت فرنسا ومن سار معها، بعنصر المفاجأة... وجعلها تعمل ما في وسعها لوأد الثورة في مهدها، أو على الأقل تحريفها عن مسارها أو اختراقها وشيطنتها كما تبين ذلك في محطات عديدة...ويكفي الاشارة لقضية لابلويت.
بعد عامين من اندلاع ثورة التحرير ... عاشت الجزائر بعد انعقاد مؤتمر الصومام في 20 أوت 1956 منعرجا خطيرا... ترتبت عنه نتائج وخيمة كما سيأتي بعد حين.
وكاد أن يؤدي هذا المنعرج ...الى رهن الجزائر الى أجل غير مسمى، لو لا تفطن بعض المخلصين من أبناء الجزائر، وانقاذ الثورة من مخالب المستعمر الذي لم يفوت فرصة الا ووضع بصماته فيها، من خلال التضليل والاختراق والاغراء وشراء الذمم.
أقول: المنعرج الخطير... لأن بعض ماجاء في قرارات المؤتمر منافي للنهج الثوري المعلن آنذاك، وأعني تحديدا ..."اعطاء الأولوية للسياسي على العسكري"...
لأن هذا النهج لو كان صحيحا كما أقر مؤتمر الصومام، ما أخذ مصطفى بن بولعيد ومن معه المبادرة وفجروا الثورة سنة 1954.
كما أن قادة الثورة أنفسهم تحفظوا على قرارات المؤتمر، بل منهم من طعن فيه و اعتبره ردة... ك أحمد بن بلة ...والذي أختطف في الطائرة مباشرة بعد انعقاد مؤتمر الصومام، ولم يخرج من السجن الا بعد اتفاقيات ايفيان.
يكفي أن عبان رمضان نفسه أعدم بعد هذا المؤتمر...وبتفويض من كريم بلقاسم ابن منطقته، رفقة بوصوف وبن طوبال.
التحق بعض من كانوا قبل اندلاع الثورة مع الاندماج، كفرحات عباس ...والذي وبعد الاستقلال، والتسجيلات متوفرة لمن أراد مراجعتها، يقول أنه لم يكن راضيا بالنهج الثوري...
ومنهم من كان مع مصالي مثل يوسف بن خدة، وغيره...وأصبحوا بسرعة ...في الحكومة المؤقتة بعد مؤتمر الصومام ، ينهجون التفاوض مع فرنسا كما بينت اتفاقيات ايفيان ... وباعتراف بن خدة في كتابه بأنه كان على اتصال مع عبان رمضان قبل انعقاد المؤتمر... !
أعاد الأحرار والثوار ...القطار الى سكته، قبل أن ينحرف مرة أخرى بعد الاستقلال... من خلال استعادة المبادرة، بالتركيز على أهداف الثورة، وأبعادها المعلنة صراحة في بيان أول نوفمبر ...
ولو أن قطار الثورة في أهدافه، لم يصل الى محطته النهائية، ولازال الى اليوم من يسعى الى تجسيد أهداف نوفمبر من أبناء جيل مابعد 1954.
لاشك أن مؤتمر الصومان ساهم في إعطاء نفس جديد للثورة، من حيث التنظيم... غير أنه كما قلت: كان كالمنعرج الخطير في الطريق... لأن القطار قد انطلق في نوفمبر بإعلان الثورة ...
ومع ما يحسب من تحديات ونقاط ايجابية ...في هذا المؤتمر ، الا أن هناك أسئلة موضوعية ومنطقية لاتزال دون اجابة الى اليوم...ونتمنى من المؤرخين المستقلين أن يسلطوا الضوء عليها بالوثائق والمستندات والتأريخ الصحيح لتنوير الأجيال.
فمثلا: ما سر إبعاد مؤتمر الصومام، البُعد العربي والاسلامي للثورة، مع أن بيان أول نوفمبر1954 واضح وضوح الشمس؟
مالذي قاله الشهيد محمد العربي بن مهيدي بعد مؤتمر الصومام؟ وهل هناك علاقة لاستشهاده ؟
مالذي جعل الشهيد زيغود يوسف يقول بعد المؤتمر: "الاستقلال ستحصل عليه الجزائر أما الثورة فقد انتهت؟ وهل لاستشهاده علاقة بذلك سيما وأنه استشهد بعد شهر من انعقاد المؤتمر؟
أليس من حقنا نحن جيل الاستقلال، أن نربط اليوم ما تمخض عن مؤتمر الصومام ، وما جرى من صراعات بعده وقبله... بما يجري اليوم، سيما وأننا لازلنا ندفع ثمن أخطاء الماضي ؟
ما علاقة اعدام عبان رمضان باغتيال كريم بلقاسم؟ هل عملية اغتيال كريم بلقاسم تدخل في اطار تصفية الحسابات؟ سيما وأن كريم بلقاسم من الذين أعدموا عبان رمضان؟
ولم الصاق تهمة اغتياله بهواري بومدين، وفي المقابل ابعاد قضية اعدام العقداء: نواورة، عواشرية وغيرهم... عن كريم بلقاسم؟
هل الذين رفضوا الخيار الثوري من قيادات حزب الشعب؟ هم من أرادوا استعادة المبادرة من خلال التأطير للثورة، سيما وأن منهم من كان يقود اتفاقيات ايفيان وكان يسعى للسلطة؟
لماذا يحاول أنصار عبان رمضان استغلال مؤتمر الصومام ، على أساس أن عبان رمضان أحد الاستراتيجيين وهو مخطط الثورة... والولاية الثالثة هي الثورة... مع أن فكرة انعقاد مؤتمر الصومام ليست من صنعه وكانت ستكون في ولاية أخرى ولظروف الحرب تم اقرارها في الصومام، وعبان رمضان نفسه ليس ممن حضروا لا مجموعة 22 ولا مجموعة 6 وبسرعة البرق أصبح يوجه ويؤطر قادة في الثورة؟
إن ماجعلني أربط مؤتمر الصومام بمؤتمر الجزائر...هو أن الجزائر اليوم ، لاتزال تدفع ثمن أخطاء الماضي، وهي محتاجة الى مصالحة تاريخية شاملة في كل الميادين للنهضة بالجزائر ووضع حد لهذا الدوران .
هذا المؤتمر الذي دعوت اليه في كتاب المصالحة الجزائرية سنة 2014 ، سيكون محطة مفصلية، ووسيلة حضارية سلمية، ومدنية، لتغيير منشود، يؤسس لبناء دولة العدل والحق والقانون في الجزائر، دولة الجميع... التي لا تفرق بين عربي ولا أمازيغي الا بخدمة الجزائر.
وتنقل الجزائر من مرحلة الزعامات التي عطلت الجزائر باختصار، وضيعت الكثير من فرص النهضة... إلى بناء دولة المؤسسات، دولة الكفاءات، التي تنهض بالفرد والأسرة والمجتمع، والتنمية. هذا المؤتمر الذي يكون ثمرة نقاش وتشاور... يضع معالم للأجيال القادمة.
نورالدين خبابه 06 أوت 2018
إرسال تعليق