رحل ابن الأوراس محمد الصالح يحياوي وأعيا من بعده !

وفاة محمد الصالح يحياوي

لم أستغرب حينما سمعت بأن محمد الصالح يحياوي رحمه الله رفض المعالجة في فرنسا... وفي المقابل عالج في مستشفى عين النعجة العسكري... الى أن وافته المنية.
لم أستغرب حين اختار أن يدفنه مقربوه في مقبرة سيدي يحيى الشعبية بالعاصمة، بدل مقبرة العالية... "الرسمية".

لم أستغرب بعد اعلان وفاته أن أرى موظفو النظام يتسابقون لنقل رسائل العزاء، هذا النظام الذي همش طاقات لقامات وطنية...ولم أستغرب النقل المباشر لبعض القنوات الفضائية...التي كان يمكنها تسجيل شهادة تاريخية له أو حوارا تنور به الأجيال الجديدة...هاته التي تحاور مفسدي الأخلاق والذوق ...والموبوؤون بالرداءة والمخنثون فكريا والمعاقون ذهنيا وحضاريا... وتوليهم اهتماما كبيرا...

سألت نفسي: وهل يعالج يحياوي في فال دوغراس وهو الذي حمل السلاح ذات يوم ضد المستعمر...ولازال جسمه المثقوب بالشظايا شاهدا على فظاعة الاستعمار...؟ إنه العقيد محمد الصالح يحياوي ياسادة وليس أي ضابط آخر...

كيف يقبل أن يستريح يحياوي في ليزانفاليد تحت صورة الرئيس الفرنسي... وهو المدير لأكاديمية مختلف الأسلحة بشرشال بعد حرب التحرير...وكيف يرضى أن يدفن يحياوي في مقبرة العالية...التي دنسها القتلة والمجرمون الذين يأتون في سيارات مصفحة ويقفون دون حياء على قبر القادة والزعماء؟ أو يقبل أن يعاد الى دشرته ؟

إنه ابن الأوراس الأشم...الذي تخرّج منه مصطفى بن بولعيد والعربي بن مهيدي ....وغيرهم من الأسود. إنه محمد الصالح يحياوي الذي قاد جبهة التحرير الوطني، أيام أن كان المناضلون يخضعون لمقاييس قبل أن تقبل عضويتهم ...و قبل أن تأتي عملية الاغراق والاختراق والمسخ ، وتصبح جبهة التحرير جبهة للتبندير "التطبيل".

كان من المفترض، أن يقف من يسوقون اليوم الى الوطنية المغشوشة والمزيفة، مع محمد الصالح يحياوي...يوم أن استفرد العربي بلخير ونزار، بالشاذلي ببن جديد، وبمؤسسات الدولة...وحولوا الثورة الى ثروة ... بعد اجتماع الحلف في برج البحري...

وانقلبوا على الانجازات التي أنجزها هواري بومدين...وجمدوها أو ألغوها...وأحدثوا شرخا في الدولة الجزائرية لازلنا نعاني من تشققاته الى اليوم. وكان على عبد العزيز بوتفليقة الرفيق المفترض لهواري بومدين، بعد أن أعطيت له فرصة الرئاسة التي فلتت منه سنة 1979 و 1994، أن يعيد يحياوي الصديق المفترض الى الساحة بشكل يليق بمقامه...سيما بعد التخلص من العربي بلخير وزمرته ...

ويا للأسف، مات محمد الصالح يحياوي والغصة تخنقه، من غدر الرفاق ولامبالاة فئات كبيرة من الشعب لما يحدث في الجزائر من سينما على الهواء. رحل ابن الأوراس، المجاهد الأصيل، والأسد الهصور... في وقت لاتزال الجزائر تحتاج لشخصيات من وزنه ومن طينته...وأضافت وفاته للجزائر الجديدة جرحا آخر يضاف الى الجراح الغائرة.

رحل محمد الصالح يحياوي نظيف اليدين، نظيف العرض، لم يسرق ولم ينهب أموال الشعب، ويحولها الى بنوك سويسرا أو أمريكيا أو فرنسا أو بنما أو الامارات...كما فعل غيره.

رحل وترك الجزائر تئن بالفساد... وتتجه الى المجهول في غياب قامات وطنية على وزن محمد الصالح يحياوي.رغم التهميش الذي تعرض له محمد الصالح يحياوي، لم يؤسس حزبا، ولم يطلب منصبا، ولم يتودد لأي من المسؤولين...ولم ينتقم ...بل لم يصرخ في وجه من همشوه ،ومات شبه منسي... اللهم الا من زيارات المجاملة...التي يقوم بها البعض في مناسبات محسوبة.

في الأخير : عندما وقفت الى جانب أحمد طالب الابراهيمي سنة 1999 وبينما أنا في مداومته بالعاصمة أنتظر موعدي مع وزير الاعلام الأسبق محمد السعيد، جاء إخوة من مدينة باتنة ، كانوا يساندون محمد الصالح يحياوي ... وأخبروني أنه بمجرد أن سمع محمد الصالح يحياوي أن أحمد طالب الابراهيمي يود الترشح ...تنازل عن طموحه وطلب من أنصاره دعم أحمد طالب الابراهيمي...دون شروط.زاد احترامي لهذا الرجل...الذي تنازل عدة مرات مقدما المصلحة العامة على طموحاته الشخصية حتى وان كانت مشروعة.

لاشك أن هناك من يعيب عليه صمته سيما في السنوات الأخيرة...ولكن أنا على يقين أن الصمت وقت الثرثرة أحيانا هو حكمة..كما أنه بلغني ممن يعرفون الرجل ... عندما أردت التواصل معه عند تأسيس المصالحة الجزائرية أنه يعاني من متاعب صحية.

أنا على يقين أنه لم يصمت خوفا أو جبنا...فمن واجه المستعمر لا يخاف أذنابه...وصمت الشرفاء أحيانا هو دعوة للشعب أن يأخذ زمام المبادرة. رحل محمد الصالح يحياوي وقد أعيا من بعده...بمواقفه المشرفة ... كيف لا وهو المجاهد والمناضل والعقيد والسياسي والنزيه.

نورالدين خبابه 12 أوت 2018


Libellés :

إرسال تعليق

[facebook]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget