الدولة العميقة في الجزائر !

ماهي الدولة العميقة في الجزائر- كيف نشأت وكيف تشتغل؟

انتشر في المدة الأخيرة مصطلح الدولة العميقة بالجزائر، لكن الأغلبية  من الجزائريين  بمن فيهم بعض النخب لا يعرفون  الدولة العميقة  كيف نشأت وكيف تتعامل وماهي أهدافها؟
وبقي  عامة الناس يطرحون أسئلة موضوعية  في ظل التناقضات  والتخبط الذي ظهر الى العلن  بمرض الرئيس بوتفليقة: من يحكم الجزائر والى أين نسير؟


ولذلك أصبح  لزاما الكتابة في هذا الموضوع وتبسيطه لعامة الناس حتى يتسنى لهم أخذ  فكرة عنه وحتى يتمكنوا من الاجابة عن الأسئلة التي تدور بخواطرهم ويعرفون ماهي المعيقات التي تواجه المسؤولين المتعاقبين على الحكم وتمنعهم من تجسيد بعض المشاريع،  وكذا الحركات التي تعمل على التغيير ثم تخترق وتنقسم وتفشل ويذهب ريحها...ويأخذ الطامحون للكرسي ما نكتبه بعين الاعتبار حتى لا يقعوا فريسة لهاته الدولة العميقة أو رده بالحجة والبرهان.


بدأ العمل العسكري السري في الجزائر بمواجهة المحتل الفرنسي منذ دخول فرنسا الجزائر عبر سيدي فرج بعد حادثة المروحة ...من خلال مقاومة الاحتلال...وهذا أمر طبيعي. وكان التجسس في البداية والمراقبة منذ بدء الاحتلال   موكلا لبعض   الزواف الذين ساهموا في تهيئة احتلال الجزائر،  ومن بعدهم السبايسية والمهاريست... وبقي اختراق المجتمع من طرف هذا العرق الدساس من الخونة  ساري المفعول  ويتحكم في مفاصل الجزائر ويمنعها من التحرر والانعتاق... الى غاية الحرب العالمية الثانية. وتزامنت ذكرى 8 ماي 1945 التي تعتبر عيدا للنصر على النازية في فرنسا   بأحداث ماي وسطيف وخراطة سنة 1945 والتي راح ضحيتها الآلاف من الجزائريين في مجازر رهيبة.

نشأ التنظيم السري  المسمى المنظمة الخاصة  OSبعدها كنتيجة حتمية ايمانا ببداية المقاومة المسلحة التي خمدت حينا من الدهر بعد تطويع فئات من الشعب عن طريق التجهيل والتدمير الممنهج... وكان ذلك قبل اندلاع ثورة التحرير54-62  ويعمل تنظيم  المنظمة الخاصة بعيدا عن أنظار المحتل.

 ويرأس تلك المنظمة الخاصة التي منشأها حزب الشعب بعدما تم حله واعتقل قائده مصالي الحاج، محمد بلوزداد رحمه الله. تلك المنظمة التي كانت اللبنة الأولى لجهاز المخابرات فيما بعد. بعد اندلاع ثورة التحرير في 1 نوفمبر 1954 تولى أمر العمل السري عبد الحفيظ بوصوف وهو واحد ممن حضروا اجتماع 22 الذي كان مقدمة لاندلاع ثورة التحرير ...وكان الهدف من العمل العسكري السري حماية الثورة الجزائرية وتحصينها من الاختراق، ومباغتة المحتل والخونة الذين يتعاملون معه، لخلخلة الاحتلال وارباكه ودفعه للتنازل والرحيل...

ومع الأسف، وقعت خلال الثورة  أخطاء  وتصفيات جسدية ليس المجال لحصرها، مع ما يحسب  من انجازات لهذا الجهاز الذي فرض أمرا واقعا على الخونة.

بعد خروج المحتل عسكريا من الجزائر كان المحتل منذ البداية يرفض رفضا تولي أحمد بن بلة الحكم ومعه هواري بومدين المدعومين من مصر والاتحاد السوفياتي ...لأسباب استراتيجية...وكانوا في المقابل كما تظهر الوثائق السرية المنشورة في كتاب المصالحة الجزائرية الذي صدر سنة 2014 يدعمون جناحا فرنكوفونيا...أو جناحا لا يغني ولا يسمن.

 ترك المحتل الكثير من العملاء والكثير من الألغام  والأعين لاسيما في الادارة والحقول، وكادت المنظمة السرية الفرنسيةOAS  في المقابل أن تحدث مفاجئات في بداية الاستقلال وتبطش بالشعب مرة أخرى وتولغ في الدماء...بسبب رفض استقلال الجزائر...
لولا الحسم العسكري المباغت الذي قاده  الرئيس هواري بومدين ورجاله بعد تمرده عن اتفاقيات ايفيان.   واضطر الكثير من الحركى لمغادرة الجزائر وأبطل ذلك الحسم العسكري مفعول المنظمة الفرنسية الخاصة OAS واستعاد المبادرة ،وبدأ تأسيس الدولة الجزائرية الحديثة، ويا للأسف لم يكن  تأسيسها على أسس صحيحة  نتيجة الاحتلال الذي دام أكثر من قرن...وبدأت الصراعات منذ بداية الاستقلال مع المغرب وفي منطقة القبائل التي حصل فيها تمرد عن حكم أحمد بن بلة والجزائر لم ترسو سفينتها بعد.

وتحول جهاز المخابرات الى مؤسسة  من مؤسسات الدولة،  كان  عمله في البداية محاربة الجوسسة وكذا حماية مؤسسات الدولة والشخصيات العامة التي تشتغل  في مراكز حساسة...ومحاربة الفساد  وجمع المعلومات التي تساعد السلطات الحاكمة في استصدار القرارات ...لكن  بمجرد تصفية هواري بومدين في ظروف غامضة سنة 1978 ...تحول جهاز المخابرات تدريجيا الى نظام موازي وهو ما نطلق عليه بالدولة العميقة لأنه هو من يحكم، ومتجذر في مفاصل الدولة بدء بتعيين الرؤساء...وكان أولهم الشاذلي بن جديد سنة 1979...ومن ثمة بدأت تؤطر هاته الدولة العميقة نفسها مستعملة مؤسسات الدولة والأطر القانونية، وكانت البداية بشق الصف الوطني وافتعال  ما سمي وقتها بالربيع الأمازيغي لإرغام الشاذلي على الانصياع.

 بعد إزاحة الجنرال مصطفى بلوصيف من وزارة الدفاع بمؤامرة  وزرع البلبلة بينه وبين الشاذلي وكذا ضباط آخرين ...  تم اختراق الجيش في القمة عن طريق العربي بلخير الذي مكنه الشاذلي في رئاسة الجمهورية  وبعده خالد نزار ومن معهم من ضباط فرنسا...
وزادت قوة هذا النظام السري بعد أحداث أكتوبر 1988  حينما تم إبعاد ضباط وطنيين كانوا في أعلى هرم حزب جبهة التحرير الوطني من المحسوبين على الجناح المعرب والقومي وكان أغلبهم منحدرين من جيش التحرير.

وتغلغلت   عصابة  الدولة العميقة وبسطت نفوذها  بعد الانقلاب على الشاذلي بن جديد سنة 1992 وخلا لها الجو وظهر في البداية  بعض رموزها في لجنة سموها زورا إنقاذ الجزائر ... وأدخلوا بذلك الجزائر في أتون حرب قذرة  ومن بين أفعالها تصفية بعض رموز الثورة  كالرئيس محمد بوضياف وقاصدي مرباح الذي كان يمتلك ملفات ثقيلة  كون أنه كان على رأس جهاز المخابرات ....
 وأشعلوها حربا على الهُوية  والثقافة والتاريخ والتربية وبدأوا في استهداف الأسرة عن طريق الإعلام.... وعطلوا مؤسسات بناها هواري بومدين وجمدوا  قانون اللغة العربية ...   واختطفوا الآلاف،   وهجروا أبناء الشعب ناهيك عن الخسائر المادية المعتبرة وعطلوا الجزائر على كل الأصعدة باختصار...وبدأوا في صناعة أرباب المال .

ساهموا في ابعاد عبد الحميد مهري رحمه الله  بمؤامرة أمنية  بعدما أفشلوا عقد روما الذي كان بإمكانه أن يخفف من فاتورة الأزمة...وأخرجوا مسيرات عن طريق الأحزاب التي كانوا يوظفونها لمنع أي تقارب من شأنه أن يمهد الى مصالحة.
أراد اليمين زروال ومعه الجنرال محمد بتشين أن يستقل بهذا الجهاز وأن يعيده الى اطاره  بعدما تأكد أنه من يعيقه في عمله الا أنه فشل واستسلم بعد أن قدم استقالته .

وقد تحول هذا الجهاز الى أشباح بشرية  تحت رعاية الجنرال توفيق  حيث كان يمسك بقبضة حديدية  على الشعب ويمنع  أي تغيير محتمل أو مجرد مبادرة يلتف حولها مجموعة من الناس خوفا من توسيعها، أو أي فكرة يمكنها أن تنمو...
وأصبح هذا الجهاز الآمر الناهي  يمارس القمع بوحشية ويبطش بالمعارضين فيقتل ويعذب ويشوه ويبتز... ويفجر كل عمل توعوي وحتى خيري تحت ذريعة الارهاب  ويمنع اعتماد الأحزاب..

عندما وصل الرئيس بوتفليقة الى الرئاسة بدأ في ابعاد بعض الضباط وقد نجح بدهائه ومكره أن يقضي على جزء منهم لاسيما العربي بلخير...وكانت تنحية محمد العماري سنة 2004  ضربة موجعة لهاته الدولة العميقة ...هذا الأخير كان سببا في مقتل محمد بوضياف.
ومع أن قانون السلم الذي قام بحماية كبار جنرالات الدولة العميقة في 2005...الا أنه مكن الشعب الجزائري من استعادة الانفاس ولو تدريجيا وأعاد نفوسا كانت ستزهق.

وبعد توسع شبكة الانترنت بدأت تتكشف هاته الدولة العميقة ومؤامراتها على الشعب...من خلال هدم حاجز الخوف وكذا انتشار الوعي عند كثير منن الضباط الذين كانوا يتابعون مايجري عن طريق هاته التقنية ... وكانت الحوارات التي كنا نجريها على منتدى بلاحدود سنة 2006 وإذاعة وطني فيما بعد  ساهمت  في تعرية هاته الدولة العميقة ومحاصرتها بعيدا عن الخطاب التعميمي  والشعبوي الذي كان سائدا. وهذا بعزل هاته المنظومة الدموية عن باقي أفراد الجيش... وقد تطرقنا الى هذا الموضوع ومواضيع أخرى كانت من المحرمات  قبل تنحية الجنرال توفيق سنة 2015...

وتوالت الأحداث من خلال نشر ملفات التشهير والابتزاز على المواقع التفاعلية كان مصدرها هاته الدولة العميقة.
وبمجرد أن حدث الحراك الذي كانت تخترقه منذ البداية وتهدف الى استعماله لتحقيق إنجاز جديد يسمح لها بتغيير الواجهة وتشتته فيما بعد...هاهي زمام المبادرة تفلت منها...بعد أن تم وضع بعض رؤوسها  في السجن على خلفية الانقلاب الذي كانوا قد شرعوا فيه لتنحية الجنرال قايد صالح ومحاولتهم  ادخال الجزائر في مرحلة أخرى سيتم توضيحها بلاشك لاحقا.

أعمدة الدولة  العميقة :
تعتمد الدولة العميقة على القانون، المال ،الاعلام، السياسة، التجسس، الدعم الخارجي...
القانون: تشتغل الدولة العميقة كمؤسسة في اطار قانوني وهي مؤسسة المخابرات... وطابعها السري ووظيفتها  جعلها لا تظهر لعامة الناس مما أعطاها قوة...وبدل أن تكون هاته المؤسسة رقابية أصبحت تتحكم في الجميع بدء من الرئاسة وصولا الى البلدية من خلال التقارير السرية والملفات التي بحوزتها وطريقة عملها فتوجه الوزراء والمديرين وتضغط عليهم... وجعلها عمليا فوق القانون بحكم الأفعال التي تقوم بها.وهنا وجب التوضيح الآتي: عندما نتحدث عن جهاز المخابرات فإننا لانقصد الشرفاء بتاتا ولا الحمقى الذين تم استعمالهم  وإنما نقصد  الجهاز ومن كانوا يشتغلون معه بخلفية عرقية ويستعملون الانتقام من خلال العنصرية  والجهوية التي أشربوها.

السلطات: يوجد تنظيم الدولة العميقة في كل مؤسسات الدولة الجزائرية  بحكم المراقبة، ظاهره حماية الدولة  وباطنه التحكم في السلطات المختلفة التشريعية والتنفيذية والقضائية والاعلامية...هم من يحدد حصة الاحزاب في البرلمان والبلديات والولايات ومجلس الأمة من خلال التقارير والتحكم في الملفات...الخ.

المال: يصنعون به أربابا  وعبيدا ...من خلال العلاقات ويستغلونه بطرق مباشرة عن طريق الجمعيات لشراء الذمم .. ويستعملونه للإغراء  وفي المناسبات المختلفة... ويقايضون به  للحصول على مواقف في الأوقات المعينة. وقد فعلوا بالشعب أثناء المأساة ما عجزت عنه دول ظلت تحاول تفجير الجزائر على عهود.

الاعلام: يستعملونه للتضليل والحرب النفسية وصناعة وعي عام حول قضايا هم من يحددها من خلال قاعة تحرير كان يديرها عقيد... وفي الوقت الذي يختارونه...سواء كانت هاته القضايا حقيقية أو مفتعلة  لتوجيه الشعب باختصار.
يستعملون الاعلام للتشويه والتشويش والالهاء والتفرقة والابتزاز ومن خلاله يمررون رسائل عن طريق الصحف. ويخلقون من خلاله  التشنج والتوتر لتطبيق سياسة فرق تسد ...فيجعلون من الحمار أسدا ومن الرويبضة عالما متفوها وجهبذا ومن المفكر مشعوذا ومريضا بالأوهام...يصنعون وجوها اعلامية من خلال تزويدهم بالحصريات ويقتلون في المقابل اعلاميين بالتجاهل ومحاصرتهم في كل المواقع.

السياسة: يخترقون الاحزاب والجمعيات وحركات المجتمع المدني وجميع المبادرات التي لا تخدمهم  فيصعدون وينزلون ...يحضرون المؤتمرات من خلال المراقبة عن بعد عن طريق كاميرات منصوبة ويشاركون في المسيرات والتجمعات ويرفعون الشعارات  فيهاجمون  ويؤيدون...تجدهم في المساجد وفي الأعراس والمآتم وفي الجامعات و دور الرياضة والثقافة وفي المقاهي والحمامات وفي الحافلات والميترو والطائرة والطاكسي.

التجسس: يتسللون الى غرف الفنادق والمكاتب وحتى الشقق من خلال كاميرات مراقبة  منصوبة تنقل الكبيرة والصغيرة على شخصيات هم من يحددها  ويبتزون أولادهم وأولاد المسؤولين بها  ... ناهيك عن التصنت على المكالمات... لهم عملاء يمدونهم بالمعلومات ويقبضون الأثمان ولهم عملاء متطوعون في كل المستويات.

الدعوة: يجعلون من الامام مجرد موظف ينتظر أجرته آخر الشهر بعيدا عن نشر الوعي الحقيقي، ويستعملون محدودي الفكر في قضايا محددة لإظهار العامة على أن الاسلام دين تحجر وتخلف ويفتعلون قضايا دينية في أوقات حرجة لتفريق الشعب بين مؤيد ومعارض . الدعم الخارجي: بحكم أن الدولة العميقة لا تستمد شرعيتها من الشعب ، وبحكم أنهم محتكرون ومتسلطون وظلمة، وبحكم أنهم قاموا بأفعال غير انسانية ضد شعبهم فهم يخافون  منطقيا من الشعب ويخشون الانتقام...

ولذلك تجدهم لقمة سائغة عند الاجانب. يعالجون هم وأبناءهم في مستشفياتهم حتى لا يعرف الشعب أسرارهم، ويضعون حسابات بنكية في الخارج ويربطون علاقات تمكنهم من السفر في اريحية وحتى الهروب إذا اقتضى الأمر وهكذا أصبحوا عملاء ضد شعبهم.

ولهذا: يجب قطع الاتصال بينهم وبين الخارج الذي يدعمهم بالدراسات والاعلام والتسهيلات والصفقات ويحميهم بين الأمم... ويمكن مواجهة هاته الدولة العميقة من خلال طرح بديل  يكون الشعب هو عموده الفقري. كما يمكن هدم قيادة هذا التنظيم ومواصلة قطع  أعمدتها واحدا تلو الآخر...في هاته الظروف باشراك الشعب في محاصرتهم وجعلهم تحت  سلطة القانون مثل باقي أفراد الشعب ...

نورالدين خبابه 15 ماي 2019

إرسال تعليق

[facebook]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget