موقفي من دستور النظام المعدل سنة 2020، ودستور الجزائر الجديدة المنشود!

من خلال تجربتي المتواضعة كمناضل من أجل جزائر جديدة  يحدوها الأمل ويسودها العدل والحق والقانون، لي الحق أن أدلي برأيي في قضايا مختلفة تهم بلادي... لاسيما  إذا كان الأمر يتعلق بالدستور. وقد عبرت عن امتعاضي عند التلاعب به عدة مرات. 

من خلال مطالعتي لمواد الدستور الذي يراد تعديله مرة أخرى .. لاحظت أن الدستور  هو نفسه دستور2016 ، سواء صيغت بعض المواد أو أضيفت أخرى ...تطرح  عدة علامات استفهام لاسيما وأنها أتت في ظروف تشهدها الجزائر والوضع الاقليمي وحتى الدولي...وليس دستور الجزائر الجديدة الذي نطمح له. 

لقد وعد عبد المجيد تبون الشعب الجزائري من خلال الالتزامات التي قطعها على نفسه وسماها بالتزامات 54  تيمنا بثورة 54. وقد حدد 1 نوفمبر للتصويت على الدستور... مما يوحي للناس على أنه من رجال نوفمبر ...ولكن للأسف لم يحصل ماوعد به لاسيما رفع الظلم عن الذين مستهم العصابة والتي يزعم أنه ضدها...حتى لاأقول شيئا أكثر.

من خلال  مطالعتي المتواضعة لبعض الكتب التي تتعلق بالتاريخ، وشهادة الفاعلين في الثورة الجزائرية،  وسماعي لشخصيات مختلفة، وحواراتي مع شخصيات متنوعة منها ما هو مذاع ومنها ما هو مسجل...  ومن خلال قراءة للواقع الجزائري  بموضوعية ودون تشنج... ودون قفز على الحقائق، ومن خلال هجرتي الطويلة وعيشي بالمهجر...ودراستي في الجامعة...ومن خلال معايشتي للمأساة الجزائرية التي ضربت عمق الجزائر خلال التسعينيات، ومراقبتي للوضع من الخارج لسنوات طويلة بعيدا عن الضغوط التي كانت تمنعني من الرؤية الصافية والنقية...الخ.

تيقنت أن الأزمة الجزائرية عميقة جدا وجذورها ضاربه في أعماق التاريخ.. بدليل؛ وجود شعارات داخل الحراك حتى اليوم  وصورا وهتافات وأهازيج لها علاقة بصراعات الماضي...ومنها على سبيل المثال: اعدام شعباني، عبان رمضان،كريم بلقاسم الذي نعيش ذكرى اغتياله في ألمانيا بعد أيام.

 وتيقنت أن التركامات السلبية من خلال التسيير المرتجل والعشوائي ... فرّخت وتفرّعت  وأينعت، لاسيما وأن محرقة التسعينيات لم تعالج بعد ...وأنتجت أزمات أخرى مسّت كل القطاعات بما فيها قطاع الشؤون الدينية. وأصبحت الأزمة الجزائرية تشبه أنبوبا قديما  مثقوبا، يتم اصلاح عطبه بين الحين والآخر، و يقع في  مكان استراتيجي...أو بناء هشّ تسكنه عائلات، يتم تزيينه مرة وأخرى... فإما تغييره  تغييرا جذريا وخلاص الجزائر بذلك، وإما انفجاره في أي لحظة، أو انتظار سقوط السقف  وهلاك الجميع !

من قال أن الصراع  أو الأزمة الجزائرية قانونية أو دستورية وحلها دستوي أو قانوني... فأقل شيء يمكن أن نقوله عنه  وبمنتهى السكينة، لم يقم بتشخيص الوضع تشخيصا دقيقا...أولا يعرف طبيعة النظام والصراعات.

الحلّ معقد ولا يقدر عليه  شخص ولا مجموعة من الناس مهما بلغ حبهم للجزائر وإخلاصهم...وإنما لابد من اشراك الجميع في التغيير  بمشروع مجتمع  لبناء الجزائر الجديدة، وذلك بفتح ورشات متنوعة كل حسب اختصاصه...والتعود على العمل الجماعي...الذي ينقصنا للأسف في الجزائر...بعيدا عن الزعامات والمشيخة.

وعليه: الحديث عن الدستور لجزائر جديدة  قبل الحوار الصادق والشفاف والمسئول الذي يهدف إلى تغيير حقيقي،  والنقاش حول مشروع المجتمع الذي يسع الجميع  وينهض بالجزائر على كل الأصعدة،  والمصادقة على ميثاق يكون عهدا وثيقا ومرجعا للأجيال اللاحقة... واتخاذ اجراءات تهدئة والمساهمة في خلق مناخ للتخفيف من حدة الاحتقان ... يشبه  حديث الرجل عن قسمة بيت  بين الورثة قبل تشييده...

إن السيول البشرية التي خرجت أثناء الحراك  المرسم بتاريخ 22 فيفري 2019 يمكنها أن تعود في أي لحظة...لأن التغيير لم يحصل. فمن خرجوا للشارع  لم يكن مطلبهم الدستور ولا تغيير زيد بعمر من الناس  ...بل كان مطلبهم واضح وصريح  وهو رحيل  النظام واقتلاع العصابة من الجذور...ولايمكن تنظيف شيء بالقذارة والأوساخ.

وإذا اقتنع الناس بضرورة عدم ترك الفراغ و إعطاء مهلة لعبد المجيد تبون...فإن ذلك ليس ضعفا من الشعب بل هو مسايرة للمعطيات الجديدة التي أصبحت ترى بالعين المجردة  لاسيما بعد خلع بوتفليقة من طرف قيادة الجيش.

إنّ  تسرع أصحاب القرار في تعديل الدستور الذي لا يعتبر أولوية...لاسيما وأنهم كانوا يبحثون عن مخرج دستوري سنة 2019 يحفظ وحدة البلاد بعد توريطهم من خلال  المستنقعات والأوحال التي وضعتها العصابة...كما صرحوا بذلك...في بياناتهم ...أعاد الشكوك لدى الغالبية... التي لم تستشر ولم تشارك لافي النقاش حول تشكيل الهيئة التي أشرفت على التعديلات ولا على مسودة الدستور ...بل أصبح من ساندوا عبد المجيد تبون بالأمس القريب يرفضون تعديل الدستور...ليس قبولا بدستور 2016 والعودة الى الماضي وإنما لأن المخرجات التي جاء بها دستور2020 كانت  معاكسة لطموحاتهم...نحو جزائر جديدة...ومخيبة لآمالهم.

إن التصويت بنعم على الدستور  المعدل: هو توقيع على استمرار النظام دون بوتفليقة لعقد آخر...وربما استبدال تبون في أي وقت لاحق وبقاء النظام ...والدوران في حلقة مفرغة...وقد يؤدي ذلك الى الايمان بخيارات أخرى غير خيار الانتخابات الآمن.

والتصويت ب-نعم هو قبول بشرعية الحكم، و إذعان للأمر الواقع الذي فرضه النظام...  وتفويت فرصة تاريخية على الشعب الجزائري...حلم بها كل المخلصين والشرفاء بل شعوب شقيقة وحرة ...

إن مقاطعة الدستور دون طرح بديل يرغم النظام على المراجعة أو التنازل هو خدمة مجانية للدولة العميقة التي بدأت تستعيد مواقعها لاسيما منذ وفاة قايد صالح التي لاتزال تطرح تساؤلات.

إن التصويت ب-لا: معناه أن الشعب يرفض التغيير خارج إرادة الصندوق وهو مصدر السلطات. ويجب التفريق بين التصويت على الاستفتاء وبين الانتخاب على حزب أو شخصية. وبين التسليم بالأمر الواقع والتعامل معه. ولكن يجب أن يقترن التصويت ب-لا بعملية تعبئة وتحسيس شاملة واقناع الأغلبية بالعودة الى الحراك والتعبير في المسيرات برفض الدستور...

 إنّ دستور الجزائر الجديدة الذي نريده يجب أن يسبقه حوار داخل المجتمع وفي المؤسسات...تؤطره شخصيات نظيفة ونزيهة...يؤسس لعقد اجتماعي جديد.

ف- أول نوفمبر كان إعلانا للثورة سنة 1954 وطرد الاحتلال و هدية للشعب اليوم في 2020  لكي يستعيد سيادته ويصحح مسار مؤسسات الدولة التي ضربت في العمق من خلال الاختراق... ويعيد الجزائر إلى وضعها الطبيعي...

نورالدين خبابه 01 أكتوبر2020


Libellés :

إرسال تعليق

[facebook]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget