التدخّل الأمريكي في الجزائر سنة 1962 كما تكشفه الأرشيفات السويسرية: محاولة لتصفية العقداء وإضعاف بن بلة وبومدين لصالح جناحٍ موالٍ للغرب

ترجمة حصرية لوثائق استخباراتية سويسرية تكشف التدخّل الأمريكي في الجزائر عام 1962 وصراع الأجنحة داخل جبهة التحرير قبيل الاستقلال.

 


تفتح الوثائق التالية نافذة نادرة على كواليس الأسابيع الأخيرة التي سبقت استقلال الجزائر سنة 1962، كما رآها قسم الاستخبارات في الأركان العامة للجيش السويسري. فهي لا تأتي من طرفٍ جزائري أو فرنسي، بل من دولة تُعرِّف نفسها بالحياد، ما يمنح هذه النصوص قيمة خاصة في فهم صراع الأجنحة الذي كان يدور في الظلّ بين باريس وواشنطن والقاهرة وموسكو، وانعكاسه على الداخل الجزائري.نشرت في كتاب المصالحة الجزائرية الذي صدر يوم 11 ديسمبر 2014 ،وأعيد نشرها في كتاب الجزائر نحو جمهورية جديدة، الذي صدر يوم 16 أفريل 2019 كما هو مرقم في الصفحات.

تكشف النشرة رقم 14/62 عن قراءةٍ مفصّلة لدور الولايات المتحدة وأجهزتها الاستخباراتية في توجيه مسار الأحداث: من وقف عمليات منظمة الجيش السري OAS، إلى البحث عن «قوة ثالثة» جزائرية معتدلة وموالية للغرب، مرورًا بتقدير موقع بن بلة وبومدين، ومخاوف واشنطن من تمدّد النفوذ السوفياتي في شمال إفريقيا. كما تبيّن الوثيقة كيف كان يُنظر إلى انقسام جبهة التحرير الوطني وإلى العلاقة بين الجيش والقيادة السياسية في تلك المرحلة الحرجة.

نقدّم هنا ترجمة عربية كاملة لهذه الوثائق، كما وردت في الأرشيف السويسري، مع الحفاظ على روح النصّ الأصلي ومصطلحاته قدر الإمكان. وما يَرِد فيها من أحكام وتوصيفات يعبّر عن رؤية الجهات التي حرّرتها في ذلك الوقت، ولا يُفهَم منه بالضرورة أنّ المدوّنة تتبنّى هذه المواقف أو تصدر حُكمًا نهائيًا على أيّ شخصية أو طرف.



خدمة الأركان العامة – قسم الاستخبارات

برن، 2 جويلية 1962

سري جدًا

نشرة معلومات رقم 14/62

تدخّل الأجهزة الأمريكية في الجزائر

في نشرتنا الأخيرة بتاريخ 26 جوان، كتبنا، ونحن نتحدث عن إمكانات «الأُخوّة والمسامحة» وكذلك عن إنشاء قوة ثالثة، أن «الحلَّ الأفضل هو قيامُ جزائر مستقلة يقودها المعتدلون من المسلمين والأوروبيين، ومرتبطةٌ ارتباطًا وثيقًا بفرنسا»، وأضافنا أن هذا سيكون في الواقع «الحلَّ الذي كان يوصي به الجنرال شال، بالتفاهم مع جميع السياسيين المعتدلين، سواء في الجانب الفرنسي أو في صفوف جبهة التحرير الوطني».

وختمنا تلك النشرة بالقول إن اليوم الموالي لاستفتاء تقرير المصير «سيكون ساعة الحقيقة، وأننا سنعرف بسرعة ما إذا كانت الجزائر المستقلة ستكون موالية للغرب، أم محايدة، أم أنها ستتجه نحو القاهرة وموسكو».

من الواضح أنه، من أجل الوصول إلى صيغةٍ مواليةٍ للغرب، أو حتى محايدةٍ فحسب، لكن مع احترام الأشخاص وممتلكات الجزائريين ذوي الأصل الأوروبي، كان الشرطُ الأول هو إيقاف نشاط منظمة الجيش السري OAS، أي عملية «الأرض المحروقة»؛ فهذا الإيقاف وحده هو الذي يجعل تقريبَ الجماعات ممكنًا. ولم يكن بالإمكان تحقيق وقف هجوم منظمة الجيش السري إلا عن طريق المفاوضات! ذلك أن الجيش الفرنسي كان يرفض الانخراط في مواجهة التخريب الأوروبي، ولم تكن تحاربه إلا الدركُ وقواتُ الجمهورية للأمن CRS. وبعد توفر هذا الشرط، كان من الممكن – نظريًا على الأقل – إدماجُ الأوروبيين في الجماعة الوطنية، أي أن يتحقق، إن صحّ التعبير، «13 ماي بالمقلوب».

وقد جرت المفاوضات بالفعل، وتم تحييدُ منظمة الجيش السري دون أيّ تدخلٍ للقوات المسلحة.

وكان يطرح عندئذٍ سؤالٌ لم نكن قد وجدنا له جوابًا: من هم أصحاب هذه المبادرة الحاسمة التي جرت وفق ثلاث مراحل:

محادثات،

اتفاقاتُ ما يُسمّى بروشير نوار (Rocher-Noir) في 17 جويلية،

وقف عملية «الأرض المحروقة» وإجلاءُ كوماندوس منظمة الجيش السري من الجزائر.



(الصفحة 2)


لننظر أولًا في الشخصيات التي شاركت في هذه العملية:


من جانب جبهة التحرير الوطني FLN:

قبل كل شيء السيد فارس، رئيس الهيئة التنفيذية المؤقتة، ثم الدكتور مُصطفى، ممثل الجبهة داخل هذه الهيئة، مدعومين – دون شك من تونس – من طرف فرحات عباس، زعيم الجبهة ورئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية GPRA سابقًا، الذي عاد بدوره عودةً ظافرة إلى الجزائر قبل الاستفتاء بعدة أيام.

من جانب الأوروبيين ومنظمة الجيش السري OAS:

في الجزائر العاصمة: السيد شوفالييه، رئيس بلدية الجزائر الليبرالي سابقًا، وسوسيني، الناطق باسم الطلبة الجزائريين وأحد المعتدلين في منظمة الجيش السري، والعقيد غارد.

في وهران: السيد لافون، مدير جريدة «صوت وهران» (L’Écho d’Oran)، وهي شخصيةٌ ليبرالية ناضلت دائمًا من أجل حكمٍ ذاتي للجزائر، إضافةً إلى العقيد ديوفور.

ومن الصعب جدًا الاعتقاد بأن هذا التقارب تمّ من دون وسطاء، لكنّ السرية المطلقة حوفِظ عليها. فهل كانوا رجال سياسة من المتروبول (فرنسا الأم) يمكن البحث عنهم داخل حزب الـMRP أو بين المستقلين، أو حتى بين الاشتراكيين؟ أم كانوا بعض أصدقاء غي مولي أو ماكس لجون؟

لم يكن الأمر بالتأكيد يتعلق بشخصٍ من المحيط المقرّب من الإليزيه، يعمل بموافقة الجنرال ديغول أو من دونها، لأن وقف القتال في الجزائر كان سيضع السلطة في فرنسا في موقفٍ صعب. ثم إن باريس كانت ترى أنه يجب القضاء على كوماندوس منظمة الجيش السري في الجزائر، لا أن يُسمح لهم باللجوء إلى مكانٍ ما في أوروبا، حيث يشكّل هذا «اللجوء» المؤقت وسيلةً تمكّنهم يومًا ما من العودة إلى المتروبول. لكن كما قلنا أعلاه، فقد حُفظ السرّ جيدًا.

غير أنَّنا نعلم منذ البارحة أخيرًا أنّ الممثلين الأمريكيين في الجزائر، وعلى رأسهم القنصل العام الأمريكي في هذه المدينة، هم الذين تدخّلوا – بطبيعة الحال بتفويضٍ من واشنطن – مدعومين في عملهم بعناصر المخابرات السرية لوكالة الاستخبارات المركزية CIA، ومزوّدين بأموالٍ سرّية مهمّة.

ما هي أسبابُ هذا التدخّل الأمريكي؟

يجب التذكير أوّلًا أنه قبل انقلاب 21 أفريل 1961، كان الجنرال شال – الذي كان على وشك مغادرة قيادة وسط أوروبا التابعة لحلف الأطلسي – قد أقام بلا شك اتصالاتٍ مع عناصر من الـCIA، بل قيل إن واشنطن وعدته بدعمه. وقد ظهرت آنذاك وقائعُ مقلقة، مثل وجود الملحق العسكري الأمريكي في باريس ونائبه في الجزائر قبل وصول الجنرال شال بساعات؛ وقد استطعنا التأكد من أن ضباطًا أمريكيين طلبوا إذنًا خاصًا للقيام بهذه الرحلة في ذلك التاريخ بالذات. كما أنه من المعروف أن جهاز الإرسال التابع للقنصلية العامة الأمريكية في الجزائر استُعمل للربط بين الجزائر وباريس أثناء الانقلاب.

لم نعتقد قطّ أن واشنطن التزمت فعلًا بدعم «حفنة الجنرالات» تلك – كما سمّاهم رئيس الجمهورية – لكن من الواضح أنه لو انتهت العملية إلى النجاح، لكان اليانكيز مستعدين فورًا للتدخل لمساعدة المنتصرين.

ورغم ذلك، فمن المؤكد أن تطوّر الأوضاع في الجزائر منذ ذلك الحين سبّب قلقًا كبيرًا لواشنطن، إذ إن الحكم الذاتي لم يعد ممكنًا، وأصبح هذا البلد يسير حتمًا نحو الاستقلال.



(الصفحة 3)


وهذا الكيان الجديد كان يمكن – تبعًا لتطور الأحداث – أن يكون مواليًا أو معاديًا للغرب، وكان ينبغي حتمًا العملُ على أن يكون قريبًا من الغرب بأكبر قدر ممكن.

وفوق ذلك، فإن الملاحظات التي سجّلتها الخدماتُ الأمريكية في الأشهر الأخيرة لم تكن مشجعة؛ ففي شمال إفريقيا وإفريقيا السوداء كانت تدخلاتُ موسكو تتزايد وتظهر بوتيرةٍ أكبر.

في المغرب مثلًا، كانت الدعايةُ السوفياتية تدعم المعارضة ضد الملك بأسلوبٍ دبلوماسي جدًا، إذ لم تكن تهاجم الملكية في حد ذاتها، بل «الملكية المطلقة»، وكانت ضغوط المعارضة قوية إلى حدٍّ دفع الملك الحسن، الراغب في إثبات حياده، إلى قبول تسلّم شحناتٍ كبيرة من الأسلحة السوفياتية، بما فيها الدبابات و«الطائرات ميغ»، وكانت هذه الإمدادات مصحوبةً – بطبيعة الحال – بخبراء روس.

وفي غانا، تم مؤخرًا وصول بعثةٍ عسكرية سوفياتية يقودها جنرال، وهو ما أظهر نية موسكو في التغلغل داخل إفريقيا السوداء. ويمكن أن نذكر العديد من الوقائع الأخرى التي قد تبدو – إذا نُظر إلى كلٍّ منها على حدة – تافهة، لكنها، إذا أُخذت مجتمعة، تُبرز حجم العمل الذي تواصل أجهزة الكرملين القيامَ به في إفريقيا.

إلى جانب ذلك، كان يظهر يومًا بعد يوم تراجعُ موقع حلف الناتو في غرب البحر المتوسط؛ فإجلاءُ القوات الفرنسية من بنزرت كان يلوح في الأفق دون أن تتحول هذه القاعدة الفرنسية – كما كانت واشنطن ترغب – إلى قاعدةٍ تابعة للحلف. كما يجدر ذكر صعوباتِ فرانكو وسالازار في مواقعهم الإفريقية: بالنسبة للأول في إفني وسبتة ومليلية، وبالنسبة للثاني في أنغولا وموزمبيق، فضلًا عن مشكلاتهم الداخلية الكبيرة. ومع أنه توجد في إسبانيا والبرتغال قواعدُ أمريكية مهمة.

وفي الوقت الذي كان فيه ديغول مقتنعًا بأن الحكومة الجديدة للجزائر المستقلة – أياً كانت – ستكون مرتبطة بباريس، كانت واشنطن – وقد استشعرت الانقسامَ الحتمي داخل جبهة التحرير الوطني، ذلك الانقسام الذي علمنا به صباح البارحة – تسعى إلى توفير الشروط التي تسمح بأن تصل إلى السلطة تيارٌ معتدل من الجبهة بعد استفتاء 1 جويلية.

ومن البديهي أن المناورة التي قادتها واشنطن حظيت أيضًا بدعم باريس، ليس – كما رأينا – من طرف الأوساط السياسية، بل قبل كل شيء من الأوساط المالية والصناعية ذات المصالح الكبيرة في الجزائر، والتي كانت مدركة أيضًا أن تدفق اللاجئين إلى فرنسا (يُعلن رسميًا عن أكثر من 300 ألف، ما يعني في الواقع نحو 500 ألف فرنسي عادوا) سيضع فرنسا في وضع اجتماعي ومالي بالغ الصعوبة.

نؤكد أن معلوماتنا صادرة عن مصادر موثوقة ودقيقة جدًا، وأن مبادرة هذا التدخل – التي جنّبت، إلى حدّ الساعة على الأقل، الصدامَ النهائي بين الجماعتين والفوضى – تُعزى إلى الولايات المتحدة، بدعم من شخصيات غير رسمية في باريس.

ومن الجانب الفرنسي، كان سوسيني هو العنصرَ الحاسم في هذه العملية وهو في الجزائر نفسها. نحن نعلم أنه يقيم منذ أسابيع عديدة في القنصلية العامة الأمريكية؛ وقد قدّم له القنصل كلَّ الضمانات بشأن مغادرته في حال فشل العملية.

وبدعمٍ مالي قوي، أجرى سوسيني اتصالاته الأولى في أوائل جوان، موجّهًا حديثه قبل كل شيء إلى المعتدلين وإلى التيار «البورجوازي» داخل جبهة التحرير الوطني.

كان فارس، رئيس الهيئة التنفيذية المؤقتة، مهتمًا أشدَّ الاهتمام بأن يلعب دورَ رجل المصالحة؛ فـ«الصيغةُ الجديدة» للاندماج – ما دامت ليست صيغة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية – كانت تسمح له بأن يأمل في البقاء داخل الحكومة المقبلة.

وأذكّر بأن فارس لم يذهب قط إلى تونس، وأنه قضى السنوات الأخيرة في باريس حيث سُجن في الأشهر الأخيرة.

أما الدكتور مصطفى فيمثّل داخل الجبهة تيارًا بورجوازيًا، وفرحات عباس – الذي أُقصي السنة الماضية من رئاسة الحكومة المؤقتة – فقد كان دائمًا مع التفاهم الوثيق مع فرنسا، حتى إنه «متفرنس» إلى حدٍّ أنه يتكلم العربية بصعوبة شديدة.

برعاية أمريكية، وبدعمٍ من الأوساط المالية والصناعية في باريس، تكوَّن اتفاقٌ بين معتدلي منظمة الجيش السري، وممثلي البورجوازية المسلمة، وممثلي الرأسمال الأوروبي المستثمر في الجزائر؛ ويمكن أن نسمّي هذا التكتّل الجديد: «جبهة البورجوازية الجزائرية»، في مقابل «الجبهة الثورية».


في الجزائر العاصمة كانت المناورة سهلة نسبيًا، أما في وهران فكانت شاقّة؛ إذ إن كوماندوس منظمة الجيش السري هناك كانوا يتكوّنون أساسًا من إسبان أو جزائريين من أصل إسباني، والملاحظة المأساوية – الساخرة في آنٍ واحد – هي أن أفضل هذه الوحدات كانت مكوَّنة من جمهوريين إسبان سابقين لجأوا إلى وهران بعد انتصار فرانكو.

ويُقال – دون أن نملك الدليل – إنه حصل تدخّل مباشر من مدريد لإصدار الأمر إلى كوماندوس وهران بوقف القتال.

أما المؤكد فهو أن سفينتين حربيتين إسبانيتين – إلى جانب بعض اللاجئين – نقلتا جميع كوماندوس منظمة الجيش السري في منطقة وهران مع أسلحتهم وأمتعتهم، وأنزلتهم في سبتة ومليلية. ويُلاحظ أن كل عملية الانسحاب والركوب تمّت دون أن تتدخل لا القوات الفرنسية ولا الدرك.



(الصفحة 4)


يوم السبت 30 جوان انفجرت جبهة التحرير الوطني.

فـبن بلة وخيضر، نائب رئيس الحكومة المؤقتة، ومعهما القادةُ العسكريون الرئيسيون الذين أُبعدوا عن الجيش – أي العقيد بومدين والقائدان منجلي وسليمان – يقفون في جهة، وبن خدّة والحكومة المؤقتة في الجهة الأخرى.

غير أن خطَّ بن خدّة لا يتطابق مع خط فارس وفرحات عباس ومصطفى. ومن الواضح أن من الصعب رسم حدودٍ دقيقة بين المجموعات المتصارعة الآن، خصوصًا وأن الأمر يتعلق بـ«عرب»، لكن يمكن مع ذلك التمييز بين ثلاث كتل تدّعي كلٌّ منها قيادة الجبهة:

الثوريون من تيار «بن بلة – خيضر»، الذين يريدون الاعتماد على جيش التحرير المتمركز في تونس والمغرب، وربما أيضًا على جزءٍ من جيش الولايات في الداخل. وهذا التيار موجَّه – على الأرجح – من موسكو عبر القاهرة، إلا إذا افترضنا، وهو ما تسمح به آخرُ تصريحات ديغول حول حلف الأطلسي، وجودَ تفاهمٍ سرّي بين الإليزيه والكرملين. ونضيف أن بن بلة أدان اتفاقات روشير نوار.

المعتدلون أو الحياديون، ويُسمَّون أيضًا «الإصلاحيين»، وهم في الحقيقة حكومة بن خدّة.

الموالون للغرب، أي هذا «التحالف البورجوازي» الذي تشكّل الآن وقد تحدثتُ عنه أعلاه.



(الصفحة 5)


لا يمكننا أيضًا أن نحدّد لأيٍّ من هذه المجموعات الثلاث يعمل الجهازُ السياسي للجبهة الذي استقرّ فعليًا داخل الجزائر؛ ومن الممكن أن يكون هذا الجهاز نفسه منقسمًا.

إلى الآن، تبقى الأوضاع في الجزائر هادئة. وكما كان متوقعًا، منح الاستفتاءُ جميع الأصوات تقريبًا للاستقلال مع التعاون.

ويبقى السؤال: هل سيكون لانفجار الجبهة ولـ«تصفية الكولونيلات» في جيش التحرير الوطني الجزائري انعكاساتٌ خطيرة على الجمهورية المستقلة الجديدة؟ وهل ستكون لهذه التصفية النتائجُ الضئيلة نفسُها التي كانت لـ«تصفية الجنرالات الفرنسيين»؟

من المبكّر جدًا إصدار حكمٍ في هذا الموضوع، وسنفعل ذلك حالما نحصل على معلومات أكثر دقة.

لكنّ أمرًا واحدًا واضح: بالنسبة إلى موسكو يبقى مركزُ الثقل في شمال إفريقيا، ولهذا السبب نعتبر كلَّ توتّرٍ جديد في مضيق فورموزا أو في برلين مجرد مناورةٍ للتشتيت، ولن نعتقد بوقوع أزمةٍ جدّية في برلين أو في جنوب شرق آسيا ما دامت الجزائر لم تجد طريقها النهائي بعد.

أما النتيجة الأهم التي نستخلصها من المعلومات التي قدّمناها لكم فهي أنه يبدو حقًا أن واشنطن قد أدركت – في شمال إفريقيا كما كان الحال في جنوب شرق آسيا – ضرورةَ إيقاف التوسع السياسي للاتحاد السوفياتي كليًا.

خدمة الأركان العامة – قسم الاستخبارات

رئيس قسم الاستخبارات

العقيد EMG موزي (Musy)

ملاحظة: نرفق لكم في الملحق بيان قيادة جيش التحرير الوطني الصادر في وجدة، على الحدود الجزائرية – المغربية، بتاريخ 2 جويلية.


توزيعٌ على:

رئيس DMF،

مدير DAF،

رئيس التدريب له ولقادة الأسلحة التابعين (10 نسخ)،

رئيس الأركان العامة،

نواب رئيس الأركان للقطاعات والجبهات والتخطيط (نسختان)،

قائد دورات الأركان،

رئيس قسم الأفراد والسرية،

قادة الفيالق 1 إلى 4،

قادة الفرق 1 إلى 12،

قادة القوات الجوية ووحدات الدفاع المضاد للطائرات (نسختان).



ملحق بنشرة المعلومات رقم 14/62


وجدة، 2 جويلية 1962

هذا هو نصّ بيان «قيادة الجبهة الغربية لهيئة الأركان العامة لجيش التحرير الوطني» الذي أُرسل هذه الليلة إلى الصحافة:

«بموجب الأمر اليومي المؤرخ في 30 جوان 1962، والصادر في تونس عن طريق الصحافة، أعلن وزراء الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية عن عزل ثلاثة من أعضاء هيئة الأركان العامة لجيش التحرير الوطني، وهم: العقيد بومدين، والقائدان منجلي وسليمان.

وبناءً على ذلك، تأمر الحكومةُ المؤقتةُ المجاهدينَ وضباطَ الجبهة المرابطين على الحدود بأن يرفضوا أيَّ أمر صادر عن هيئة الأركان العامة أو عن كل من يدّعي صدوره عنها.

وردًّا على هذا النداء، فإن المجاهدينَ وإطاراتِ الجبهة الغربية، وإدراكًا منهم للعواقب التي لا يمكن تقديرها والتي ستنجم عن مثل هذا الإجراء، وحرصًا منهم أكثر من أي وقت مضى على الحفاظ على وحدة جيش التحرير الوطني ووحدة الرؤية بين جميع المناضلين، يصرّحون بأن الجهةَ الوحيدة المخوّلة حلَّ هيئةٍ أُنشئت بقرار منه هي المجلس الوطني للثورة الجزائرية، بوصفه المودَع الوحيد للسيادة الشعبية، وفقًا لنصوص جبهة التحرير الوطني نفسها، وذلك خلال الاجتماع المنعقد في طرابلس سنة 1959.

وعليه، يواصل ضباطُ ومقاتلو جيش التحرير الوطني، كما في الماضي، تنفيذَ الأوامر الصادرة فقط عن القائد وعن هيئة الأركان العامة أو المارة عبرها. ويذكّرون بهذه المناسبة أنه خلال آخر دورة للمجلس الوطني للثورة الجزائرية، المنعقدة بطرابلس من 27 ماي إلى 7 جوان، جُدِّدت الثقةُ في هيئة الأركان العامة من طرف أغلبية أعضاء المجلس، ولا سيّما مندوبو كل الولايات الذين منحوها التفويضَ لتمثيلهم.

وعلى العكس من ذلك، فإن الرئيس وبعض الوزراء – وهم أصحابُ الأمر اليومي الموجَّه اليوم إلى جيش التحرير عن طريق الصحافة – بعدما وُضعوا في الأقلية، فرّوا ليلة 6 إلى 7 جوان دون إشعار المجلس الوطني للثورة الجزائرية، مما شلَّ مواصلةَ أشغاله، كما تشهد بذلك وثائقُ المجلس.

وفي هذه الساعة التاريخية، لا يمكن القبولُ بأن تسمحَ دكتاتوريةٌ فئوية بازدراء إرادة الشعب الجزائري التي عبّر عنها منذ ست سنوات عبر المجلس الوطني للثورة الجزائرية.

وباسم جميع المقاتلين، يدعو إطاراتُ المنطقة الغربية جميعَ مناضلي القضية الوطنية إلى أن يتوحّدوا بشكل أوثق في خدمة الوطن والثورة، لفرض التخلّي عن سياسةٍ تُجسَّد اليوم، من جهة، في الأحضان التي تُقدَّم لقتلة منظمة الجيش السري (OAS)، ومن جهة أخرى في اعتقال خيرة مقاتلي الثورة، ومن بينهم عددٌ من أعضاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية.

موقَّع: قادةُ الجبهة الغربية لهيئة الأركان لجيش التحرير الوطني».

نورالدين خبابه 01 ديسمبر2025

Libellés :

إرسال تعليق

[facebook]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget