تشكل الوثائق التالية جزءًا من الأرشيف الرسمي السويسري المتعلّق بقضية طرد المناضل الجزائري محمد خيضر من الأراضي السويسرية سنة 1964. وتكتسب هذه النصوص أهميتها من كونها تعبّر عن رؤية دولةٍ أوروبية محايدة لأحد أبرز وجوه الحركة الوطنية الجزائرية، في مرحلةٍ انتقل فيها محمد خيضر من موقع المسؤول في جبهة التحرير والحكومة المؤقتة إلى موقع المعارض لسياسة أحمد بن بلة رفقة شخصيات أخرى.
نقدّم هنا ترجمة عربية لأبرز ما ورد في هذه الوثائق،التي نشرت في كتاب المصالحة الجزائرية الذي صدر يوم 11 ديسمبر 2014 وأعيد نشرها في كتاب الجزائر نحو جمهورية جديدة الذي صدر يوم 16 أفريل 2019 كما هو مرقم في الصفحات مع الحرص على احترام روح النصّ الأصلي ومضمونه قدر الإمكان، مع تبسيطٍ محدود للصياغة القانونية حتى يسهل فهمها على القارئ غير المتخصص. إن ما يَرِد في هذه الأوراق يمثل مواقف وتقديرات السلطات السويسرية آنذاك، ولا يُفهم منه أنّنا نصدر حُكمًا نهائيًا في حقّ أي شخصية تاريخية.
الصفحة 150
الثلاثاء 27 أكتوبر 1964
طرد خيضر محمد
وزارة العدل والشرطة –
الاقتراح المؤرخ في 26 أكتوبر 1964 (مرفق).
الوزارة السياسية.
إن المجلس الفدرالي
يـقـرِّر ما يلي:
طردَ المواطن الجزائري خيضر محمد من الأراضي السويسرية، استنادًا إلى المادة 70 من الدستور؛
تكليفَ النيابة العمومية الفدرالية بتنفيذ هذا القرار؛
الترخيصَ بمنح خيضر تصريحَ مرورٍ خاصًّا كلَّ مرة يُستدعى فيها للمثول أمام السلطات القضائية في جنيف؛
المصادقةَ على البلاغ الصحفي.
مقتطف من محضر الجلسة موجَّه إلى وزارة العدل والشرطة (نسختان)، وإلى النيابة العمومية الفدرالية (ثماني نسخ للتنفيذ)، وإلى الوزارة السياسية (ست نسخ).
حرّرًا على صورةٍ مطابقة للأصل
الصفحات 151–154
مذكرة موجَّهة إلى المجلس الفدرالي
الموضوع: طرد خيضر محمد
يسرّنا أن نرفع إلى سيادتكم التقريرَ والاقتراحَ التاليين المتعلقين بـ:
خيضر محمد، ابن يوسف بن محمد ويامنة حواجلي، المولود في 13 مارس 1912 بالجزائر العاصمة، متزوج، ويقيم حاليًّا في بلمون قرب لوزان.
I
منذ سنة 1933 انخرط خيضر في التنظيمات الوطنية لشمال إفريقيا. اعتُقل في جانفي 1940، ثم حُكم عليه مرات عدة بسبب نشاطه المناهض لفرنسا، غير أنه استفاد من عفوٍ سنة 1946، وانتُخب في شهر نوفمبر من السنة نفسها عضوًا في الجمعية الوطنية الفرنسية؛ وكان آنذاك عضوًا في حزب الشعب الجزائري P.P.A. الذي خَلَفه حركة انتصار الحريات الديمقراطية M.T.L.D. وكان خيضر من قادة هذه الحركة أيضًا.
في سنة 1951 لجأ خيضر إلى القاهرة رفقة بن بلة وآيت أحمد، وشارك معهما في الهجوم المسلح على بريد وهران. ومنذ ذلك الحين مارس الثلاثة نشاطَهم من القاهرة، لدى أمانة جامعة الدول العربية.
وبعد الخلافات التي نشبت سنة 1954 داخل حركة انتصار الحريات الديمقراطية، أنشأ خيضر ورفاقه اللجنة الثورية للوحدة والعمل C.R.U.A.. وفي صيف 1954 وصل إلى سويسرا برفقة بن بلة للقاء مناضلين وطنيين جزائريين آخرين، وأبلغوهم بأن تنظيمهم أصبح جاهزًا للانتقال إلى العمل المسلح. ومع هؤلاء وضعوا التفاصيل النهائية لاندلاع العمليات المقرَّرة ليوم أول نوفمبر.
أثناء حرب الجزائر أصبح خيضر مديرًا لـ«المكتب الخارجي» لجبهة التحرير الوطني في القاهرة. وفي أكتوبر 1956 أُوقف خلال عملية اعتراض الطائرة التي كانت تقلّ بن بلة وآيت أحمد وبيطات وبوضياف. ومع هؤلاء ظلّ أسيرًا لدى الفرنسيين إلى غاية توقيع اتفاقيات إيفيان في مارس 1962. وأثناء اعتقاله عُيِّن سنة 1958 وزيرَ دولة في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية G.P.R.A. وبعد الإفراج عنه دخل حكومة بن بلة وتولى لفترة منصبَ الأمين العام المكلف بالمالية والإعلام.
في ماي 1963، وكان خيضر يحمل جواز سفر دبلوماسيًا، تحصّل في الرباط على تأشيرة دخول إلى سويسرا. وفي الفترة نفسها بلغ إلى علمنا أن بن بلة شرع في تطهير الصحافة من العناصر الموالية لخيضر؛ ومنذ ذلك الحين تموضع هذا الأخير في صفوف المعارضة لسياسة بن بلة.
II
منذ صيف 1963 أُبلغنا مرارًا بوجود خيضر في سويسرا، حيث يلتقي عددًا من أعضاء المعارضة، مثل بوضياف، وكريم، والدكتور فرانسيس، وصهره آيت أحمد. ومنذ بضعة أشهر استأجر خيضر شقةً في بلمون قرب لوزان يقيم فيها مع زوجته. ومن سويسرا يقوم برحلات متكررة إلى فرنسا وألمانيا وإنجلترا، حيث يلتقي هناك بمواطنين جزائريين يتآمر معهم ضد حكومة بن بلة.
وفي لوزان يستقبل أيضًا جزائريين آخرين، من بينهم لحول حسين، الأمين العام السابق لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، الذي أقام هو الآخر في القاهرة وكان عضوًا معه في لجنة الوحدة والعمل C.R.U.A.
III
إن خيضر محلّ شكوى جزائية تقدمت بها الحكومة الجزائرية إلى النائب العام لكانتون جنيف، تتهمه باختلاس أموال تابعة لجبهة التحرير الوطني تُقدَّر بحوالي خمسين مليون فرنك. ولهذا الغرض استدعته العدالة في جنيف واستجوبته وفتحت ضده إجراءً قضائيًا، وهي قضية تناولتها الصحافة بكثافة وما زالت إلى اليوم قيد النظر.
وقد أُبلغ خيضر رسميًا بوجوب الامتناع عن الإدلاء بتصريحات للصحافة، إلا أنه خالف هذه التوصيات مرتين ولم يتردد في توجيه هجمات شخصية ضد رئيس الدولة الجزائرية.
واعترف خيضر، خلال استجواب أجراه قاضي التحقيق في جنيف، بأن جزءًا من الأموال موضوع البحث قد سُلِّم – ولا يزال يُسلَّم – إلى التنظيم التخريبي المسمى «جبهة القوى الاشتراكية» (حركة آيت أحمد)، لتمكين هذا الأخير من «خوض النضال بكل أشكاله من أجل إسقاط النظام».
وقد أدت هذه التصريحات إلى طلب رسمي من الرئيس بن بلة موجَّه إلى رئيس الاتحاد السويسري، يطلب فيه فتح ملاحقات ضد خيضر عن الجرائم المنصوص عليها في المادتين 299 فقرة 2 و296 من القانون الجنائي السويسري (C.P.S.)، مع توقيفه، بغية وضع حدٍّ لأنشطته الهادفة إلى إسقاط حكومة تعترف بها سويسرا، الأمر الذي من شأنه الإضرار بالعلاقات القائمـة بين الحكومتين.
ورغم أن فحصًا أوليًا أجراه مكتب النيابة العمومية الفدرالية بيَّن أن إجراء ملاحقة على أساس المادتين 296 و299 فقرة 2 من القانون الجنائي سيكون صعب التنفيذ بل وغير ملائم، فإن النشاط السياسي لخيضر على أراضينا – وهو نشاط لا ينسجم مع حيادنا – لا يمكن إنكاره.
كما تفيدنا معلومة حديثة بأن خيضر ورفاقه كانت لهم، في بلدنا، اتصالات مع القائد السابق سيرجان، رئيس اللجنة الوطنية للثورة (CNR)، وهو تنظيم منبثق عن المنظمة التخريبية المناهضة لِديغول OAS.
وبناءً على ما سبق، فإن النشاط التآمري الذي يمارسه خيضر في سويسرا يشكّل انتهاكًا واضحًا لسيادتنا الترابية وتعريضًا لأمن الاتحاد – الداخلي والخارجي – للخطر.
وفي هذه الظروف، يكون اتخاذُ إجراء الطرد، استنادًا إلى المادة 70 من الدستور، مبرَّرًا.
وخيضر يستفيد من وثائق اعتماد تمكِّنه من السفر إلى أي بلد يشاء.
IV
إن وزارة العدل والشرطة، بالاتفاق مع النائب العام للاتحاد، والوزارةَ السياسية، واللتين تبادلتا وجهات النظر مع سلطات جنيف، نظرًا للإجراء القضائي الكانتوني الجاري، تقترحان على المجلس الفدرالي أن يقرِّر ما يلي:
طردَ المواطن الجزائري خيضر محمد من الأراضي السويسرية، استنادًا إلى المادة 70 من الدستور؛
تكليفَ النيابة العمومية الفدرالية بتنفيذ هذا القرار؛
الترخيصَ بمنح خيضر تصريحَ مرورٍ خاصًّا، كلما توجّب عليه المثول أمام السلطات القضائية في جنيف؛
المصادقةَ على البلاغ الصحفي المرفق.
الوزارة الاتحادية للشؤون السياسية الوزارة الاتحادية للعدل والشرطة
مرفق: بلاغ واحد.
مقتطف من محضر الجلسة موجَّه إلى وزارة العدل والشرطة (نسختان)، وإلى النيابة العمومية الفدرالية (ثماني نسخ للتنفيذ)، وإلى الوزارة السياسية (ست نسخ).
نورالدين خبابه 01 ديسمبر 2025

إرسال تعليق