ارتبط الاحتفال بيوم يناير هذه السنة بذكرى الانقلاب على الإرادة الشعبية سنة 1992 في الجزائر. وكأن من اختار تاريخ إعلان استقالة الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد عبر التلفزة، في نشرة الثامنة مساء، أراد أن يكون يوم 12 جانفي يومًا للاحتفال والبهجة والسرور والعطلة...؟
يا له من تشابه بين ذكرى الانقلاب في الجزائر ونحر صدام حسين فجرًا يوم عيد الأضحى في العراق!
لا تقولوا لي إن ذكرى الانقلاب في الجزائر وتزامنها مع الاحتفال بيناير مجرد صدفة... فالذين اختاروا هذا التاريخ وترسيمه يوم ذكرى وفاة هواري بومدين أيضًا، وفي ذكرى إعدام عبان رمضان، لم يكن ذلك صدفة!
وذكرى الانقلاب في الجزائر تزامنت مع ما كان يجري في العراق في حرب الخليج، وارتباطها بالسعودية وبما يجري في الشرق الأوسط ليس صدفة!
لا تقولوا لي إن ذهاب علي بن حاج وعباسي مدني إلى العربية السعودية ولقاء الملك فهد، وإلى العراق ولقاء صدام حسين أيضًا كان مجرد صدفة! لا تقولوا لي إن عباسي مدني عندما صاح في العاصمة: "أين أنت يا مجلس الأمن"، كان ذلك مجرد صدفة! لا تقولوا لي إن الذين بدأوا التدريبات القتالية وتحضير قوائم من المتطوعين في ملعب 5 جويلية، بحضور أحد أقارب خالد الإسلامبولي، للذهاب إلى العراق... كان ذلك مجرد صدفة! لا تقولوا لي إن ما يحدث في سورية والجزائر ومصر وليبيا مجرد صدفة! لا تقولوا لي إن علي بن حاج ذهب إلى وزارة الدفاع بالبذلة العسكرية مجرد صدفة!
الانقلابيون أرادوا بهذا التاريخ الانتقام من هوية الشعب الجزائري، لاسيما الجانب المتعلق بعروبتها وإسلامها، ويحاولون سلخها من انتمائها العربي، ووجدوا من يقدّم لهم الهدايا، حتى ولو كان تحديد هذا التاريخ قادمًا من وراء البحار، وقد حُرِّر في مكاتب مظلمة...
والذين ربطوا ما يجري في الجزائر والعراق بمسألة السلاح النووي بعين وسارة لم يكن ذلك مجرد صدفة... أرجوكم ارحموا عقولنا... تصريحات عبد القادر حشاني موثقة في ملعب تيزي وزو، وهو يتحدث عن السلاح النووي.
لقد أرادوا صناعة تأريخ جديد من ذكرى الانقلاب، فلا تحاولوا إقناعنا بأنها مجرد صدفة.
الذين اختاروا هذا التاريخ من يناير اليوم، على أي أساس اعتمدوا؟ هل هناك أدلة تاريخية دقيقة تشير إلى هذا الاحتفال في الجزائر؟ بأي طريقة كان؟ أم هو مجرد تقاليد؟ وهل الذين اختاروا هذا التاريخ استشاروا الشعب؟
نحن لا نتنكر لتاريخنا الطويل، ولا لتقاليدنا، ولا للهجات المحلية التي تزخر بها بلادنا، بل نعتز بذلك ونتفاخر بهذا الثراء الثقافي الذي تمتاز به جزائرنا، ويجب تطويره. ما يبعث في نفوسنا الحيرة والأسى هو العبث بالتاريخ الحقيقي الذي يراه الناس بالعين المجردة، واصطناع تاريخ من الأكاذيب... فالذي يعلن أمام الملأ أنه يجهل هويته لا يحق له منطقيًا أن يعطي الدروس في التاريخ أو يتحدث في الأنساب.
والذي لا يؤمن بهواري بومدين وبمشاركته في ثورة التحرير، وهو قائد أركان جيش التحرير، كيف يريدنا أن نؤمن بتاريخ شيشناق، والأساطير، وتاريخ وعادات ما قبل الميلاد؟
إن محاولة منع الناس من معرفة حقيقة ما جرى في الجزائر من مآسٍ في التسعينيات وما قبلها، والغوص في تاريخ كسيلة وماسيينيسا والكاهنة... سيزيد الجزائريين تشبثًا بمعرفة الحقيقة.
إن الذي يمنع الناس من معرفة حقيقة مقتل محمد بوضياف، وعبد القادر حشاني، وبوسليماني، وعبد القادر علولة، وقاصدي مرباح، وحقيقة ما جرى من مجازر... هو نفسه من جعل تاريخ يناير يرتبط بتاريخ الانقلاب... فليس من المنطق أن يقترن احتفال بمأساة.
إن الذين اختاروا الاحتفال بيوم الاستقلال في الجزائر اختاروا يوم 5 جويلية، وهو اليوم نفسه الذي احتلت فيه فرنسا الجزائر.
فالذين اختاروا تاريخ الاستقلال بهذه المناسبة أرادوا بذلك إغاظة فرنسا، لاسيما وأنها نكّلت بالشعب الجزائري وفعلت به الأفاعيل.
فلا تقولوا لي، من فضلكم، إن الاحتفال بيناير وذكرى الانقلاب في الجزائر مجرد صدفة! اللهم إلا إذا كان أصحابه أرادوا إغاظة الأغلبية من الشعب وتصفية الحسابات.
لا تقولوا لي إن لقاء علي هارون بخالد نزار ومجموعة من الجنرالات الذين أتوا بمحمد بوضياف، أحد مفجّري ثورة التحرير، من المغرب، مجرد صدفة! لا تقولوا لي إن اغتياله في عنابة مجرد صدفة!
إذا أردتم أن يأمن الناس تواريخكم، فدعونا أولًا نعرف، نحن والشعب الجزائري، حقيقة ما جرى من انقلابات وتصفيات جسدية، وتعالوا معًا نجسد مصالحة حقيقية في الجزائر على كل المستويات بعد بناء دولة المؤسسات... وساعتها نحتفل جميعًا بيناير، وعودة الجزائريين المهجّرين قسرًا في الخارج إلى الجزائر.
الجزائر التي أؤمن بها هي التي لا فرق فيها بين عربي ولا أمازيغي إلا بخدمة الجزائر، وليست التي تجعل من منطقة "شعب الله المختار"، ومناطق أخرى من الوطن لا يُعرف اسمها إلا وقت إعلان نسبة المشاركة في الانتخابات.
نورالدين خبابه 17 جانفي 2019

إرسال تعليق