الجزائريون والانتخابات في ظل الحراك: خلل في المفاهيم أم في النوايا ؟

الجزائريون والانتخابات في ظل الحراك الجزائري

اعتاد الجزائريون على الانتخابات المزورة وتغييب ارادة الشعب منذ فترة  الاحتلال الفرنسي للجزائر. وقد شارك الجزائريون أفرادا وجماعات تحت سلطة الاحتلال اعتقادا منهم أنهم سيغيرون القناعات، ويصنعون وعيا عاما يساعدهم في دفع الاحتلال للقبول بمطالبهم سياسيا  وفي نهاية الأمر فلتت زمام المبادرة من أيديهم وحلّت لغة الرشاش والبندقية والسكين البوسعادي بعد اندلاع ثورة التحرير، ودخلت الجزائر مرحلة استعادة المبادرة عن طريق القوة.

بدأ الجزائريون بعد خروج الاحتلال العسكري مرحلة أخرى في عهد الحزب الواح  وكانوا يتطلعون من خلالها  نحو مستقبل زاهر ويتنفسون في مرحلة الاسترخاء  نسائم الحرية ... ، وعايشوا تلك الفترة بحلوها ومرها. وكانت الأحداث المختلفة  في ولايات الوطن تمهيدا للانفتاح نحو التعددية الحزبية الملغمة سنة 1989. أقول الملغمة وسأعود الى هذا المصطلح بعد حين.

رافق الجزائريون منذ خروج الجيش الفرنسي والى غاية اليوم  كل الرؤساء وعرف جزء منهم  كيف تم اختيارهم  وعلى أي أساس، وكيف  حدثت الانقلابات والاغتيالات...  وورثت الأجيال بكل مرارة وأسى  ثقافة الوصاية بتغييب ارادة الشعب  وصراعات  مختلقة  قد تأتي على الأخضر واليابس اذا لم يصحح المسار.

كان على من بيدهم الأمر في الجزائر عند شروعهم في بناء الجمهورية أن يضعوا الأسس الصحيحة وأن لا يحرقوا المراحل ...فالمرحلة الانتقالية لم تكن اختيارا بل كانت ضرورية  وعلى الذين جاؤوا من بعدهم  أن يدركوا سبب الاخفاقات التي كانت وراء عدم تطورنا ونهضتنا.

ألم يكن من الأجدر أن تكون مرحلة انتقالية مباشرة بعد الاستقلال؟ فهل حرق المرحلة حقق نهضة في الجزائر وأسس للجمهورية التي كان ينشدها الشهداء؟ ألم يكن من الأجدر بعد الانقلاب على أحمد بن بلة المرور بمرحلة انتقالية ؟  وأن تكون مرحلة انتقالية بعد وفاة هواري بومدين لتحقيق انتقال السلطة...؟ وكان حرق المراحل للأسف  بانتقال نمط التسيير الذي تبناه بومدين ومن معه  الى نمط  جديد  دون استشارة الشعب مقدمة لما عشناه سنة 1988؟

ألم يكن الأجدر أن تكون مرحلة انتقالية بعد الانفتاح سنة 1989 الذي تم سنه في عهد الشاذلي بن جديد  وكان حرق المرحلة هو ما قادنا  الى المأساة ؟

ألم يكن الأجدر بعد إقالة الشاذلي بن جديد أن تكون مرحلة انتقالية تهيئ الى وضع جديد؟   وجيئ بمحمد بوضياف دون استشارة للشعب ...وكان حرق المرحلة هو ما عاشته الجزائر من دموع ومآسي في التسعينيات؟

ألم يكن من الأجدر  بعد اغتيال محمد بوضياف أن تكون مرحلة انتقالية تعيد القطار الى سكته؟  وكان  التسيير المرتجل هو ما أسس لقدوم  الرئيس زروال الذي دُفع  الى الاستقالة؟ وكان بعد استقالة اليمين زروال أن تكون مرحلة انتقالية وكان نقل السلطة الى بوتفليقة حرق لمرحلة أخرى وضاعت على الجزائر فرصة التغيير ؟

بعد خلع الرئيس بوتفليقة الذي  بقي جاثما على صدور الجزائريين طيلة 20 سنة  ...أمام قيادة  الجيش الجديدة  والشعب الجزائري  فرصة تاريخية قد تنقل الجزائر الى نهضة وتحولها الى سنغافورة  في المنطقة وأحسن،  إذا ما أحسن استغلالها.. أو ستعيدها مع الأسف الى احتلال جديد  لا قدر الله  مؤشراته باتت عديدة، في ظل الأطماع الخارجية وفي ظل دعوات للانفصال وفي ظل وضع اقليمي خانق إذا ما استمر ركوب الرؤوس والسقوط في اللغم.

أغلبية الشعب الجزائري تتساءل اليوم  ومن حقها ذلك:  الى أين نحن نسير؟ هل نحن نسير نحو جمهورية جزائرية جديدة تحقق آمال وطموحات كل الشعب أم نحن نتجه نحو تغيير الواجهة  وتكرير التجارب  الفاشلة ؟من الناس من يتساءل عن كيفية الانتقال:  هل ستكون بمرحلة انتقالية أو بانتخابات مباشرة  وهل بمجلس تأسيسي أو برئاسة جماعية؟ في ظل أطماع دولية واستراتيجية وجيو سياسية لا تخفى على الحذق،  وفي ظل  محاولات لاختراق الحراك وتوجيهه... وفي ظل تشويه المفاهيم.

الطرف المنكسر الآن في كيان الدولة العميقة  يحاول خلق أجواء مشحونة لكي يستعيد المبادرة التي أفلتت منه، وهناك أقلية تخدمه لأنها متواطئة معه وتخشى  أن يستعيد الشعب ارادته ...وهناك فئات   يتم استغلالها وركوبها واستعمالها لتحقيق أهداف هذه الدولة العميقة واللعينة بالغباء والجهل  ...و بذلك تجدد الدولة العميقة رؤوسها بشخصيات  توجد في صفوف أخرى... وستنتقم أشد الانتقام من كل من ساهم في قطع بعض رؤوسها أو شمت  فيها وتفتك به فتكا كبيرا...إذا ما خلا لها الجو.

إن أي عاقل  يدرك أنه لاشرعية شعبية دون  انتخابات نزيهة وشفافة تمثل الشعب بحق. ولكن الانتخابات الشرعية  والنزيهة والشفافة تكون في الوضع الطبيعي والعادي... وتمر حتما بمرحلة انتقالية  تحضر لها البيئة والمناخ والتربة الذي تنبت فيه ...ويكون المشرفون عليها يتمتعون بالنزاهة والأخلاق ولا يطمحون الى السلطة.

لا يمكن أن تكون انتخابات حرة وشفافة في ظل بقاء النظام...والنظام أيها السادة ليس الأشخاص والمسؤولون كما يعتقد الكثيرون... إنما النمط الذي يسير عليه الأشخاص والمسؤولون....وقد يتجدد الأشخاص لكن النمط سيبقى...وستبقى الجزائر تدور في حلقة مفرغة... ولذلك نحن مطالبون اليوم بتغيير نمط النظام والانتخابات والتمثيل والنظم التي تشرف وتؤطر هذه الانتخابات، وفق مشروع مجتمع يسع الجميع.

وأن يدرك الجميع أن الذين كانوا مثلا ضد الانتخابات يوم 18 أفريل و 04 جويلية  2019 لم يكونوا في الأصل ضد الانتخابات وإنما كانوا ضد تزوير الارادة الشعبية وضد التلاعب بها مرة أخرى ... لأن اجراء الانتخابات في ظل هذا النظام مهما كان المنافس هو تجديد لنمط النظام وليس تغييرا للنمطية السائدة.

وعليه: على الذين كانوا مع اجرائها  عن حسن نية أن يدركوا بأن الذين كانوا يطالبون بمرحلة انتقالية أو بمجلس تأسيسي لهم قراءة أخرى ومفاهيم أخرى تتعلق باحترام المرحلية  والتدرج  في التغيير   وبدلا من التخوين،  على الجميع أن يعلم أن تغيير نمط النظام في الجزائر لا يتم بين عشية وأخرى بل يتم في إطار من التوافق وقبول بعضنا البعض ضمن الثوابت ومقومات الشخصية الجزائرية ووفاء لمن ضحوا بأنفسهم من أجل هذا اليوم المشهود...وأن تصحح المفاهيم وتجدد النوايا.

فمن كان يؤمن بانتخابات 18 أفريل أو 04 جويلية 2019  فتاريخهما أصبح من الماضي ومن كان يؤمن بنهضة الجزائر فقلبه معلق بها  طول العام.نورالدين خبابه 25 ماي 2019

إرسال تعليق

[facebook]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget