الحراك في الجزائر نحو طريق الانتصار أو الانكسار !

مقال يشرح أن الحراك في الجزائر بركان خامد قد يقود إلى نهضة وانتصار أو إلى انكسار وتمزيق للوطن إذا استمرّت الحلول الترقيعية والهروب إلى الأمام.

يتناول هذا المقال الحراك في الجزائر بوصفه نتيجة أزمة بنيوية عميقة في بناء الدولة منذ الاستقلال، لا مجرّد موجة غضب عابرة. يحذّر الكاتب من الرهان على عامل الوقت والحلول الترقيعية، ويطرح خيارين حاسمين أمام الجزائريين: طريق الانتصار عبر تأسيس جمهورية جديدة، أو طريق الانكسار والصدام وتمزيق الوطن.

كنت أودّ التطرّق لهذا الموضوع الشائك في الأيام الأولى من الحراك الذي جاء كنتيجة… ولكن ارتأيت أن أترك عامل الوقت ليبتّ في بعض القضايا، ويعرّي الانتهازيين والوصوليين والمتلوّنين وبائعي الأوهام على حقيقتهم، ويُظهر في المقابل أصحاب الرأي الثاقب والرؤية السديدة، وأصحاب المبدأ وأصحاب القضية، ومن يضعون المصلحة العليا فوق كلّ الاعتبارات مهما كانت الاختلافات.

كذب من يقول إنّ الحراك في الجزائر انتهى بمجرّد تدخّل قيادة الجيش وفرض الأمر الواقع، وذلك بتحديد موعد الانتخابات وتهيئة الظروف لمرشّح بعينه… أو سينتهي بمجرّد انتخاب رئيس أو برلمان.

إنّ الحراك في الجزائر لم ينطلق أوّلًا من ذاته؛ فهناك تراكمات سلبية ذكرناها وكررناها منذ سنوات، وفصّلنا فيها قبل أن يطلّ “الشهيلي” العربي… وهي موثّقة ومنشورة لمن أراد الرجوع إليها والتأكد.

إذا خمد الحراك في الجزائر لسببٍ أو لآخر، فستبقى مراجله مشتعلة، تشبه البركان الخامد إلى حين اشتعاله من جديد، ووقوع ثورة كبرى ستؤدّي إلى إحراق الجزائر برمّتها – مع الأسف الشديد – وينتهي بذلك استقلالها، على الأقلّ لمدة قرن آخر، أو تتمزّق وحدتها وتُقسَّم إلى دويلات…

إنّ الذين يراهنون على عامل الوقت لترويض الشعب، أو حصر المسألة في أشخاص قصد تخويف البقيّة الباقية من عواقب مواجهة النظام، لم يشخّصوا الأزمة الجزائرية، ولا يعرفون نفسية المواطن الجزائري، بل لا يعرفون جذور الأزمة ومخرجاتها، حتى وإن زعموا ذلك، وهم ينهجون نهج الاحتلال الذي صوّر لنفسه أن الجزائر أصبحت قطعة من ترابه الأبدي.

إنّ معالجة الأزمة الجزائرية يجب أن تكون جذريّة؛ فالحلول الارتجالية والترقيعية لم تَعُد تنفع، وتأجيل الحلول الحقيقية للأزمة المعقّدة لن يزيد الوضع إلاّ تعقيدًا وتعفينًا.

وإنّ فرض أيّ خيارٍ للتغيير على الشعب الجزائري لا يتلاءم مع طبيعة الأزمة وحجمها، وطبيعة الشعب وهويته وتاريخه، وطبيعة الجغرافيا السياسية التي تحاول فرض أجنداتها، لن يحلّ الإشكال القائم في الجزائر، بقدر ما سيزيد من تراكم مشاكلها وغلق منافذ طرق النجاة.

وإنّ استيراد حلول وتجارب لم تنبع من رحم الشعب هو كمن يعطي دواءَ مريضٍ لمريضٍ آخر مصابٍ بداءٍ مختلف.

إنّ تراكم الأخطاء التي بدأت قبل ثورة التحرير، وعدمَ تشخيص الوضع في الجزائر عشية الاستقلال تشخيصًا دقيقًا قبل التسابق على السلطة، وكذلك فرضَ الأمر الواقع بحسمٍ عسكري – حتى ولو أنه من جانبٍ إيجابيّ فوّت فرصة أخرى على الاحتلال من خلال منعه تنصيبَ قادةٍ موالين له – فإن تلك الأخطاء أسّست للوضع الذي عايشته الجزائر في التسعينيات، بعدما هُيِّئت الأرضية لها بعد وفاة الرئيس هواري بومدين.

فأساس البناء على شكلٍ خاطئ، حتى ولو كان أصحابه على نيّة سليمة، مهما علا ومهما طال، سيسقط في النهاية لا محالة من كثرة العبء الثقيل الذي لا يتلاءم مع الأعمدة والأسس الصحيحة التي يقف عليها البنيان.

فإذا أردنا أن ينتصر الحراك – سواء الحالي أو القادم – وتنهض الجزائر وتنتصر على كلّ الأصعدة، فعلينا أن نؤسّس لجزائر جديدة، ولجمهورية جديدة، ونسلك طريق الانتصار والنهضة الصحيحة من خلال توفير عوامل النجاح، ونضع اللبنة الأولى في الاتجاه الصحيح من خلال عقد النيّة الصادقة والسليمة التي تكون هي المعلم الأوّل نحو التغيير والبناء، ونغيّر من أساليبنا وسلوكنا واستراتيجيتنا وطرق حوارنا، ويتضح ذلك من خلال الأفعال التي سيلمسها الشعب في الميدان، ويرتاح لها ويقتنع بها دون إكراهٍ أو غرور.

ونعمل معًا، جماعيًا ومرحليًا، بالتركيز على ما يجمعنا لا على ما يفرّقنا، ونترك بعض القضايا إلى حينها وإلى أهلها من أهل الاختصاص؛ فليس من المنطق مناقشة بعض القضايا والحكم على الناس قبل بناء دولة المؤسسات التي هي من يَبتّ فيها.

إنّ الصراع والتنازع وتصفية الحسابات، والانتقام والتشفّي والظلم والتجاهل والاحتقار والتهميش والإقصاء والجهوية والانتهازية والمحسوبية، والفساد بكلّ أشكاله، والفرعنة، وعدم التسامح ونشر الأحقاد والضغائن، وحبّ الزعامة والمشيخة… عواملُ للانكسار، ولن تكون أبدًا للانتصار.

فعلينا إذن أن نسير في طريق الانتصار بأخذ شروطه وعوامله، ونتجنّب طريق الانكسار إذا أردنا بالجزائر خيرًا، فعهد الشعارات الرنّانة والمتاجرة بالدين والتاريخ والوطنية ولّى إلى غير رجعة.

نورالدين خبابه  
17 سبتمبر 2019

إرسال تعليق

حان الوقت لتغليب صوت الحكمة ، على الحراك أن يعمل على تحويل الشعارات إلى ممارسة يومية و فعلا يغير مماراسات الفرد . و على النظام أن يفسح المجال للشباب حقيقتا . و أن لا يلعب أي لعبة تأجج الوضع أكثر .على الجميع أن يغلب مصلحة الوطن و أن يكون ولائه للوطن وحده .

[facebook]

أرسل رسالة نصية

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget