سيناريوهات الانتخابات الرئاسية في الجزائر المقررة يوم 12 ديسمبر2019 في ظل الحراك.
قبل أن أبدأ حديثي: أودّ أن ألفت انتباه الاخوة والأخوات، أنّ ما أقوم به من نشاطٍ مختلفٍ هو اجتهاد شخصيّ، نابع من تجربة متواضعة ومن متابعة للأحداث، قد أصيب فيه كما قد أخطئ، وبالتالي: أرجو حسن التفهم فأنا لا أتقاضى أجرًا مقابل كتابتي وتسجيلاتي بل متطوع وأدفع من قوتي.
من الغباء أن تسلّم قيادة الجيش الحكم للمعارضة على الأقل في الوقت الراهن، لأنها لو فعلت ذلك فإن ما قامت به من خلع لبعض الرؤوس وإدخالها السجن سيقدمها بشكل آلي الى حبال المشنقة لاسيما وأن من بينها من هو حامٍ لنظام بوتفليقة على مدار 20 سنة...
وبالتالي ما يجعل قيادة الجيش تواصل طريقها غير عابئة بما يقال هو: أنها تحظى بدعم بعض القوى الدولية الفاعلة في العالم، ومنها، الصين، روسيا، وحتى طرف في أمريكا وهذا مانلحظه من خلال خرجات السفير الأمريكي، ناهيك عن بعض قادة دول الخليج...
كيف؟ وهي التي قامت بخلع عبد العزيز بوتفليقة المنته الصلاحية... باستخدام الحراك الشعبي كغطاء... وقد سمحت الظروف ليفرض قائد الأركان واقعا على خصومه بعد وجود حاضنة شعبية لقراراته، و تعاطف مقبول داخل الحراك قبل تعيين ما سمي بلجنة الوساطة والحوار ولجنة ما يسمى بالسلطة المشرفة على الانتخابات...
فأغلبية الشعب الجزائري كانت مقتنعة بوضع حدّ لحكم بوتفليقة، ولو أن قائد الاركان كان معه لحسابات استراتيجية، وهذا ما لوحظ خلال المسيرات المليونية الرافضة للعهدة الخامسة. وكان لسان الحال :"نريد رئيسًا يقف ويتكلم". وبالتالي هناك عدة فرضيات محتملة حول الانتخابات.
السيناريو الأول: إجراء الانتخابات في موعدها.
مادام الحراك سلميا ولم يصل بعدُ الى حدّ تهديد بقاء قيادة الجيش الحالية... لن يُحرج قيادة الجيش أبدا الصراخ والهتافات والشعارات ورفع أعلام أخرى... ولن يحرّك ساكنا لها حتى لو استمر الحراك عاما آخر لاسيما وأنه غير مؤطر بالشكل الذي يفرضُ المطالبَ...ومادام أنّ هناك قوى دولية فاعلة لا يخدمها التغيير الحقيقي الذي تصنعه إرادة الشعب الجزائري، لحسابات...
إجراء الانتخابات في موعدها معناه: وضع حدّ للحكومة الحالية ورئيس الدولة اللذان طالب الحراك في المسيرات الأولى بإقالتهما ... وإعطاء الصلاحيات للرئيس المفضل الذي لا يعارض نهج قيادة الجيش الحالية بل سيكون متوافقا معها لأبعد الحدود، وحاميا، وسيجدّد واجهة السلطة كما كان مسطر له من قبل... وسيكون هو الناطق الرسمي باسم الدولة عكس عبد القادر بن صالح الذي كان في وضع أضعف وكان عبارة عن واجهة مهترئة.
فمنصب الرئيس الجديد في حال اجراء الانتخابات في موعدها، ومقاطعتها من أغلبية الشعب، يجعل الرئيس منقوص الشرعية، ويجعل قيادة الجيش في موقف أقوى... وبالتالي: ستكون له خطوط حمراء لا يقترب منها في أحسن الأحوال. وسيمكنه الوصول الى منصب الرئاسة من تعديل الدستور وحلّ البرلمان والمجالس الأخرى وتجديدها بوجوه جديدة... وإحداث تغييرات لا ترضي أغلبية الشعب على الأقل في الوقت الراهن..
وبالتالي: ضمان 5 سنوات أخرى من الحكم وتهيئة قيادة جديدة داخل المؤسسة العسكرية خلفا لقايد صالح.
رغم أنف أغلبية الشعب المتظاهرة في الحراك، والرافضة لإجراء الانتخابات تحت إشراف نفس النظام... سيفوز المرشح المفضل لقيادة الجيش رغم أنها تنفي بأنه ليس لديها مرشح، وأنّ "عهد تعيين الرؤساء قد ولّى".
وسيفوز في هذه الانتخابات المغلقة، عبد المجيد تبون للاعتبارات التالية: أولا: عبد المجيد تبون كان ضحية أويحيى وسعيد بوتفليقة وطرطاق وحداد... و آخرين يقبعون حاليا في السجن كون أنه تمت اقالته لأسباب سيأتي شرحها لاحقا... وتعرض لحملة قبل إقالته مباشرة بعد خطابه في البرلمان الذي كان يدور حول الفصل بين المال والسياسة... وتصريحه في المسجد الكبير...حول بناء الصرح الاسلامي الذي أغاظ أطرافا لها عداء تقليدي للإسلام ووحدة الجزائر .
وهو رئيس الحكومة الذي شرع في إجراءات مباشرة بعد توليه المنصب لاسترجاع الأموال المنهوبة، وتجميد بعض المشاريع لرؤساء المال المنهوب، واستهداف أسماء بعينها... وقد لا قى تعاطفا في الشارع بعد إقالته، بل حتى عند بعض المعارضين للنظام والتسجيلات موثقة ومنشورة.
وقد توالى سقوط بعض الأسماء التي كانت ضد جهاز توفيق وطرطاق، والمؤيدة لقيادة الأركان من قبل ومن بعد ، ومن بينهم: عمار سعداني وسعيد بوحجة.. واستخلفوا بأسماء أخرى.
وقد قلت شخصيا يوم إقالته في تسجيل منشور بأنه من المحتمل أن يتم ترشيحه في المرحلة القادمة. وقضية توريط ابنه في قضية مابات يعرف بالبوشي كان نوع من الابتزاز من نسج جهاز المخابرات القديم بالتعاون مع أجهزة أمنية أخرى ... وسيأتي اليوم الذي تتضح فيه القصة الكاملة، مع أنني لا أبرئ ابنه من الفساد.
ثانيا: ظاهريا عبد المجيد تبون- المرشح الوحيد من بين المرشحين الخمسة، الذي لم يترشح باسم الحزب. وهاته الصفة: تجعله يمتلك هامشا كبيرا من المناورة، وينال تعاطفا في بعض الدوائر الأمنية عكس غيره الذين تقدموا باسم أحزابهم...ويجعل غير المتحزبين من الكتلة الصامتة والمقتنعين بالمشاركة في الانتخابات، يفضلونه على باقي المرشحين.
ناهيك عن الأصوات الآتية من حزب جبهة التحرير الوطني والمنظمات المنضوية تحت جهاز الحزب والأصوات النسوية بشكل افتراضي. وفي المقابل: انقسام باقي الأصوات بين المرشحين الآخرين ومقاطعة شبه كليا في منطقة القبائل مع احتساب أصوات حزب جبهة التحرير لفائدة تبون – الأمر الذي يخدمه. فالأمر توجيه محسوب.
ثالثا: أعتقد أن الدور الثاني إذا ماجرت الانتخابات في موعدها المحدد رغم أنف المقاطعين، فيه شيء من المغامرة لقيادة الجيش، لأنه سيعطي هامشا آخر من الوقت لاستعماله ضدها، ويجعلها في حالة تردّد، لاسيما إذا وقعت اضرابات واعتصامات وحالة من التسيب في أجهزة الدولة، وقطع للطرقات وتعطيل للمصالح، وبالتالي: قد يكون الفصل في الدور الأول.
أمّا إذا تقرر الدور الثاني من البداية، فهناك فرضيتان وهما : أولا: محاولة اقحام فئة من المقاطعين بتخويفهم بأحد مرشحي الدولة العميقة وهم : علي بن فليس، عزالدين ميهوبي، عبد العزيز بلعيد ،وأكثر احتمالا هو عزالدين ميهوبي، وجعل فئة من المقاطعين تثق أكثر بعد نشر الأرقام، وحتى استسلام المرشحين الآخرين للنتائج مع إظهار بعض الامتعاض نتيجة الصدمة ... وكذا الجهات الدولية التي ستكون أقل إحراجا في التورط لمباركة الانتخابات المحسومة أو تنديدا، حفاظا على مصالحها، وطمعا في وصول أحد المرشحين المفضلين.
وفي هذه الحالة: ستنزع قيادة الجيش ورقة أخرى قد تستعملها الدولة العميقة في حال فرض المرشح المفضل في الدور الأول...ويجعل مطاردة مرشح الدولة العميقة في الدور الثاني أمرًا واقعا، كون أن وصوله سيعيد الدولة العميقة للحكم بعدما أفلت منها.
ثانيا : يكون المرشح الثاني قريبا من التوجه الاسلامي الذي يمثله عبد القادر بن قرينة مع أنه تعامل مع الأجهزة الأمنية المختلفة لاسيما جهاز المخابرات في التسعينيات ... وكذا الصفقة التي حصل عليها حزبه خلال الحراك بتعيين رئيس البرلمان سليمان شنين.
وذلك لتذكير الناس بفوز الاسلاميين في الجزائر خلال التسعينيات وفوز محمد مرسي في مصر ووووو... ما يجعل العلمانيين المقاطعين يشعرون بخطر وصول الاسلاميين ويفرض عليهم الانخراط في الدور الثاني لمنع مرشح الاخوان والوقوف الى جانب قيادة المؤسسة العسكرية نكاية في الاسلاميين كما حصل سنة 1995 مع نحناح.
السيناريو الثاني: إلغاء الانتخابات.
بعد أن أجلت قيادة الجيش الانتخابات الأولى والثانية، و كان الهدف من تأجيلهما ربح مزيد من الوقت، لوضع بعض أفراد العصابة في السجن، وتجميد أموال قد يستعملها بعض المرشحين ...في الحملة الانتخابية...وكذا ترويض القنوات الفضائية تحت عامل الابتزاز.
سيكون الغاء الانتخابات ظاهرهُ استجابة لمطالب الحراك، وباطنه عدم تمكن عبد المجيد تبون المرشح المفضل لقيادة الجيش من نسبة كانت محسوبة...وظهور اسم لم تكن ترتاح له قيادة الجيش...وبالتالي: سيكون الغاء الانتخابات تحت غطاء شعبي، ومانع لوصول أحد رجال الدولة العميقة للسلطة. أو تركه يلعب دورا كما يحلو لقيادة الجيش ليرفضه الشارع ومن ثمة يأتي الغاء الانتخابات كتحصيل حاصل.
وفي هذه الأثناء: ستكتشف قيادة الجيش ثغرات أخرى داخل الادارة تمكنها من إدخال أطراف متورطة في التزوير...إلى السجن، واستعمال هامش آخر من الوقت يفوت فرضية تفجير الشارع ويمنع تسليم السلطة الى من هو غير مؤتمن من قبل قيادة الجيش.
السيناريو الثالث: تأجيل الانتخابات .
هو السيناريو الأخير. لن يحصل تأجيل الانتخابات بعد الذي جرى في أفريل وجويلية 2019، الا إذا شعرت قيادة الجيش فعلا من خلال المعلومات التي بحوزتها، وليس من خلال القيل والقال والدعاية المجانية التي تقوم بها بعض القنوات المأجورة، بأن الجزائر تسير في اتجاه حرب أهلية مدمرة، وهناك معلومات تثبت تورط جهات دولية... وفي هذه الحالة: سيتم إعلان حالة الطوارئ وعزل بن صالح وحكومة بدوي، والشروع في مرحلة أخرى كانت ترفضها قيادة الجيش تستجيب لها تحت الاكراه.أو تعميم منع إجراء الانتخابات...وفي هذه الحالة يتم تأجيلها مع اختيار أشخاص لهم قبول شعبي يشرفون على انتخابات مقبولة.
إنّ الخيار الأخير هو الأسلم لتفادي مزيد من الاحتقان وتفويت فرصة التقسيم التي تزداد مؤشراتها كل يوم في ظل التعنت والتصلّب، ينتظرها دعاة التقسيم بفارغ الصبر. وهو الخيار الأمثل نحو التوجه لبناء جزائر جديدة يحلم بها كل الشرفاء.
نورالدين خبابه 07 ديسمبر2019
إرسال تعليق