الحراك بين أطماع الفرنسيس و المستبدين في الجزائر!

مقال ينتقد الفيلم الوثائقي «Algérie mon amour» على القناة الخامسة الفرنسية، ويكشف بين أطماع فرنسا واستبداد السلطة في استغلال الحراك الجزائري.

جاء هذا المقال بعد بثّ الفيلم الوثائقي «Algérie mon amour» على القناة الخامسة الفرنسية، والذي قدّم الحَراك في صورة مجتزأة تخدم روايات معيّنة عن «الحرية» في الجزائر. يحاول الكاتب هنا تفكيك الخطاب الفرنسي الرسمي والإعلامي حول الحَراك، وفضح التقاء مصالح «الفرنسيس» الطامعين في ثروات الجزائر مع المستبدّين في الداخل الذين يستغلّون الجراح القديمة لمنع أي تغيير حقيقي نحو جزائر جديدة.
أثار الفيلم الوثائقي الفرنسي حول الحريات والحراك في الجزائر حفيظة مَن شاهده من الجزائريين المنصفين والموضوعيين… وارتأيت أن أتناول الموضوع ليس من باب ردّ الفعل، وإنما أردتُ توجيه رسائل لمن لا يزالون يعتبرون الشعب الجزائري قاصرًا وغير راشد؛ سواء كانوا من بعض «الفرنسيس» الذين يسيل لعابهم عند ذكر ثروات الجزائر ولا يزالون يحنّون للمستعمرات القديمة، أو من المستبدّين في الجزائر الذين لم يتعلّموا درس رؤساء تم إعدامهم!

دفع الشعب الجزائري ثمنًا باهظًا من أجل الحرية، وقدّم قوافل من الشهداء عبر مرّ العصور حفاظًا على أصالته وهُويّته، ولا غرابة في ذلك؛ فقد فدى الوطنَ خيرةُ رجاله وحرائره بأموالهم وأوقاتهم، وسهروا الليالي الطوال، ولا يزال منهم من يحرس قلاع الوطن وحصونه، ولم يبدّلوا تبديلاً. فلا يحقّ لأي نظام في العالم أن يستصغر شعب الجزائر ويحتقره، أو يختزل الجزائر في مجموعة لا تمتّ بأي صلة لتاريخها، أو أن يعطي الجزائر دروسًا في الحرية والكرامة الإنسانية.

لا سيّما عندما يتعلّق الأمر بمن كانوا بالأمس القريب يدمّرون المساجد ويحرقونها على أهلها، ويهدمون البيوت فوق الرضّع والركّع، ويغتصبون الحرائر، ويشوون جلود الرجال في الأفران، ويستعملون الأسلحة النووية ضد الإنسان والحيوان والجماد… أو من طرف خدمهم الذين كانوا يقدّمون أسيادهم للمقاصل مقابل الفتات.

ولا يحقّ أيضًا لمن كانوا بالأمس القريب يذبحون أبناء الشعب في التسعينيات، ويتلذّذون بالتعذيب، ويزرعون المفخّخات في المطارات والحافلات، ويرمون جثث المساجين على الأرصفة، ويأكلون المال أكلًا لمًّا، ويروّعون ليلًا ونهارًا أطفال الجزائر ويشوون أكباد الأمهات، ولا يزالون إلى اليوم يمنعون عائلات المختطَفين من معرفة مصير أبنائهم، مستمرّين في غيّهم وجبروتهم، ويمنعون الشرفاء حتى من الصراخ. بالأمس يساندون – بوطنية مغشوشة – أحفاد سالان، واليوم يحدّثوننا عن «العصابات» وكأنها نزلت من المريخ!

لقد عانى الشعب الجزائري طيلة الحرب الضروس التي خاضها ضدّ محتلٍّ غاشم، وعانى بعد الاستقلال من الاستبداد والتمييز، وفُرض عليه نظام شمولي تقاطعت ممارساته ومصالحه وأساليبه مع ممارسات المحتلّ الذي لم يقتنع بعد أن أجيالًا جديدة نشأت وتمكّنت – ولو بجزء بسيط – من التكنولوجيا، وتجاوزت تفكير الوصاية والخنوع بسنين ضوئية. شاهدنا بأعيننا الشعبَ يُضرَب بالغازات والهراوات في مسيرات مختلفة؛ سواء تعلّق الأمر بالأطباء أو الأساتذة أو الطلبة أو المتظاهرين نصرةً لغزة الذبيحة… وحدثت صدامات في التسعينيات دفع الشعب فيها أرواحًا ما كانت لتُسفَك، وأرزاقًا وممتلكات ما كانت لتُتلَف أو تُنهَب… ومع ذلك ساير الشعب الواقع المرّ، وكان يتطلّع لمستقبل زاهر إلى أن جاء الحراك.

اليوم، بعدما فعلوا بالشعب الأفاعيل، يريدون أن يخدم بعضُهم بعضًا لمنع الشعب من التغيير ومن الجزائر الجديدة التي يؤمن بها الشعب، بالحديث عن أقلياتٍ منبوذة في المجتمع قصد استثارة عواطف الإسلاميين الذين لم يتعلّموا الدرس بعد، لإخراجهم وتمرير مخطّطاتهم الدنيئة. فكلما ضاق الحال بهم أخرجوهم؛ تارةً باسم الرسومات، وتارة باسم النقاب، وتارة باسم اللحْية وجواز السفر البيومتري، وتارة باسم عين الفوّارة… إلخ.

فعلى المؤمنين بالحراك كوسيلة لتحقيق المطالب المشروعة أن يتفطّنوا للفخاخ التي نصبتها الدولة العميقة وعملاؤها المكلَّفون بمهمّة في الداخل والخارج.

إن الأهداف في الحراك مختلفة منذ البداية، وقد حذّرنا من الانقسام الحاصل وقتها، وقلنا إن فاكهة النظام اللذيذة في عدم تأطير الحراك وترك المجانين والمقفَلة رؤوسهم لتحريفه عن الأهداف المشروعة. فرقٌ شاسع بين من يدافع عن أهداف شعب، وبين من يدافع عن أهداف فئة أو منطقة. فرقٌ شاسع بين من يدافع عن وطن، وبين من يدافع عن مجموعة. وفرقٌ شاسع بين من يدافع عن راية وطنية تحمل في طيّاتها الدماء الزكية، وبين من يدافع عن خرافة.

ليس قدرَنا أن نختار بين المتربّصين بالجزائر وبين مَن يمصّون دماء الشعب وينهبون خيراته. ليس قدرَنا أن نختار بين سفّاح يذبح باسم «الإسلام» المغشوش، أو عسكري يذبح باسم «الوطنية» المغشوشة، أو حداثيٍّ مزعومٍ يرفع شعار الحريات والديمقراطية ويعمل ليل نهار لمنع شعبٍ من استرجاع سيادته الكاملة. نريد حراكًا جزائريًا خالصًا…

بعيدًا عن إملاءات الشواذ، وبعيدًا عن إملاءات الانفصاليين، وبعيدًا عن إملاءات المتطرّفين والمتعصّبين والمتحجّرين من الإسلاميين، وبعيدًا عن إملاءات مَن رفضهم الشعب مرّات ومرّات بالصناديق من المستلبين فكريًا والانتهازيين.

نريد جزائر جديدة للجزائريين، بعقليات جديدة ووجوه جديدة ليست متّسخة ولا محروقة، بل من الكفاءات ودون إقصاء. لا يحقّ لأي مسؤول، مهما كانت رتبته، أن يمنعني من دخول الجزائر ويتشدّق في الوقت نفسه بدعم الحراك وترسيم يوم وطني له. أنا المواطن البسيط ممنوع من جواز سفري، ومن زيارة قبر والدَيَّ اللذين توفّيا ولم أتشرف حتى بحضور جنازتهما، فيما فئات منبوذة من المجتمع يتم تحريكها في الجزائر، تنقل الصور من قلب الحراك، وتتمتّع بما لذّ وطاب، بل وتستعمل طائرة «الدرون» وتسيح في أحياء الجزائر العتيقة تحت أعين أجهزة الأمن، وتراسل هيئات دولية لترسيم شذوذها… فأين حماة الوطن؟ وأين شرفاء الجيش؟

أنا جزائريٌّ ولستُ الجزائر… لكن لا جزائر جديدة وأنا ممنوع من دخولها وممنوع من أبسط حقوقي، وأنا الذي كنت ضد حكم بوتفليقة وخدمه منذ 1999، فيما بوتفليقة انتُخِب بالوكالة يوم 12 ديسمبر 2019.

إذا كان أفراد العصابة في السجن وقد حقّقتم مطالب الحراك – يا مَن تتشدّقون بالجزائر الجديدة التي سرقتم عنوانها – فهل منعني الحراك أو منعني الشعب من دخول الجزائر؟

نورالدين خبابه  
28 ماي 2020

إرسال تعليق

[facebook]

أرسل رسالة نصية

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget