الجزائر والقوة الهاربة!

الجزائر والقوة الهاربة!

استمعت إلى مقطع فيديو على الفيسبوك،  يوم أن خطب رئيس الدولة الجزائرية عبد المجيد تبون في الولاة ، حيث وصف الجزائر بالقوة الضاربة. وهو في ذلك يتفاخر أمام الشعوب بالوضع الذي يحياه البلد الذي تهابه الدول العظمى وتضع له ألف حساب...ولكنه يتناقض بعد سطرين فينسى  فيقول: ليس لنا اقتصاد، والحمد لله اقتصادنا 85 بالمائة اقتصاد الخواص ولكن 85 بالمائة تمونه الدولة... وعاب على المعارضين انتقاصهم  لبلدهم على حد قوله.

تابعت المقطع على الفيسبوك كما أسلفت،  لأنني نادرا ما أرى القنوات...لأسباب ليس المجال لذكرها. ووضعت صورة على  صفحة المصالحة الجزائرية التي أديرها، لشباب في مقتبل العمر، غادروا الحياة الدنيا  بعد أن قلبت الأمواج العاتية الزورق الذي كانوا يمتطونه وهم يحاولون العبور الى الضفة الأخرى - علهم يجدون مستقبلا زاهرا يحققون فيه أمانيهم...وعنونت الصورة بالقوة الهاربة!

امتلكني غضب  وحسرة على بلدي في نفس الوقت، والى الواقع المرير الذي أصبح يعيشه الجزائريون ... وأنا أرى تلك الصور المؤلمة للحراقة المساكين وهم منتفخون، وأجسامهم زرقاء ، في وضع يزلزل القلوب الحية...وأسمع كلام تبون في المقابل وهو يتظاهر بالقوة الضاربة. لست أدري ضد من يا ترى ؟ والصواريخ والطائرات  والغواصات وسيارات الشرطة ووووو...والكلاب  كلها مستوردة، بل حتى القمح الذي جاء معه ذات يوم خنزير ميت ...  ويلقي باللائمة على مواطنين دفعتهم العصابات  المختلفة الى الهجرة،  وكأنهم أصبحوا آداة لتدمير بلدهم لمجرد الانتقاد والاستياء. ينتقدهم اليوم ويقر بما يقولونه في الغد...؟ وحتى اذا سلمنا بكلامه... من دفعهم لكي يصبحوا كذلك ؟

كيف يعترف المعارضون بنظام طاردهم في الداخل ويطارهم في الخارج؟ وكيف يعترفون  بقوة ضاربه وقد خرج الشعب بالملايين يعبرون عن استيائهم لوضع الجزائر التي أصبحت مضحكة ومسخرة يتسلى بها الناس،  في حراك شعبي قل نظيره مرددين : أكلتم البلاد أيها اللصوص ولا بد أن تذهبوا جميعا؟ 

كيف يعترفون بالقوة الضاربة... ورئيس الدولة لم يزر ولاية واحدة  منذ 2019 رغم هول الحرائق وعدم وجود طائرات إطفاءـ  وعدد الضحايا الذين تفحمت أجسامهم منهم من ذهب لتأدية الخدمة العسكرية...واكتفى برسائل التعازي عبر القنوات والصفحات...ورغم عدة أزمات ضربت المواطن وجيبه، ومنها أزمة الدقيق، قطع الأوكسيجين، وقطع المياه.... لم يمش في الشوارع الرئيسية كما يفعل عادة الرؤساء واكتفى بالتظاهر بترديد امتعاض وشجب شفوي؟

 لست أدري لماذا تخلف عن النزول الى الميادين... والقوة الضاربة تحرسه ؟ هل خشي حب الشعب له أم خشي ترديد شعارات الحراك: "تبون مزور جابوه العسكر لا توجد شرعية، الشعب تحرر هو الذي يقرر..." ؟ قلت في نفسي : لربما نصحه الأطباء الألمان ذات يوم عندما ذهب للعلاج بأموال الشعب  أن يحافظ على ما تبقى له من قوة لتسيير المرحلة المرسومة؟

إن القوة الهاربة من الجزائر التي أعنيها، هي قوة الشباب الذي طلق النظام بالثلاث وقرر ترك مكانه للعجزة ومحدودي الآفاق وأصحاب الرؤوس المقفلة  الذين منهم من وصل أرذل العمر،  والقوة الهاربة هي قوة الحماس الذي جعله يقطع البحار ولا يبالي بنظام أعمى وأصم...والقوة الهاربة ، هي قوة الطاقة التي لم تجد من يستوعبها في الجزائر في اختصاصات مختلفة فقررت  الهجرة ... حيث توجد الحريات و يوجد الإبداع  وتفجر مواهبها هناك ...

ما قيمة الصواريخ والطائرات دون طيار ،والغواصات، بل الصعود الى المريخ، والأقمار الصناعية  المستوردة؟  وما قيمة القوة الضاربة  اذا كان العدو الحقيقي في مأمن  وأخوك الجزائري يسكنه الخوف؟  ما قيمة الأراضي الشاسعة والرمال الذهبية والحدائق الغناء وآبار البترول والغاز والأطنان من الذهب  والمعادن المختلفة....اذا كان المواطن يلهث عن كلغ من العدس  وكيس من الدقيق ولتر من الحليب  وفخذ من الدجاج؟ ما قيمة القوة الضاربة إذا كان المواطن يفكر في ترك البلد؟

قد تكون القوة ضاربة ربما إذا كان المقصود هو ضرب المعارضة وقمع الحريات الشخصية والجماعية، وتقزيم دور الساسة، وضرب الشعب في قوته ومحاصرته  وترويضه والتضييق عليه، واختراق المبادرات وتحطيمها ...وزرع الإحباط في النفوس  وثقافة التيئيس؟

أعرف مسبقا أن هناك من يستغل أقوالي لتصفية حساباته، ولكن في المقابل: هذه هي الحقيقة. نظام أعمى وأهبل يتعسف في استعمال السلطة ويحتقر الجزائريين قبل غيرهم...ويجد من العبيد خاصة صحافة الإشهار التي تزين عمله فتجعل منه نظام الجبارين...ولكنها تسيئ إلى شعب يئن من الأوجاع وإلى معارضين يتحدثون بآلامه.

نورالدين خبابه 30 سبتمبر2021

إرسال تعليق

[facebook]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget