إتصل بي مواطن جزائري على أحد المواقع التفاعلية بعد متابعة حثيثة للنشاطات التي أقوم بها، وقبل أن يكلمني، كنت أتحادث معه لمدة بالكتابة، فسألته عن حالة المواطن في الجزائر فأجابني: لقد وصلت إلى درجة اليأس ولم أعد أثق حتى في أقاربي، ولم أكن أعبأ في البداية بالإنترنت نظرا لضعف الخط، ناهيك عن ارتفاع سعرها في المقاهي، وكنت أحسبها مضيعة للوقت وتبذيرا أو هي باب من أبواب الفساد... وها أنذا اليوم أصبحت من المدمنين عليها بعدما يسر الله علي وأصبحت أنعم بالإنترنت في بيتي ولم أعد أطيق مشاهدة تلك القنوات الفضائية التي كنت مكرها عليها لمتابعة ما يجري من أحداث.
ظللت أبحث فعثرت في موقع جزائري نقل أحد مقالاتك ومن ثم بدأت التعرف على شخصك من خلال التسجيلات التي كنت ولا تزال تقوم بها على اليوتيوب ورأيت ذلك التفاعل ومن ثم بدأت أستعيد الثقة في نفسي وعرفت أنّ اليأس لم ينزل علي هكذا وإنما له دوافعه، ولكن للأسف يا أخي هناك موانع تجعلني لا أقوم بما تقوم به من كتابة ومن تعليقات، حيث أنني أعمل في جهاز للدولة وقد أعرّض نفسي للأخطار.
قلت له ما هو الشيء الذي جعلك تصل إلى هذا المستوى من اليأس وهذا الإحباط؟ فأجابني: هل إذا صارحتك لا تنزعج مني أخي نور الدين، فقلت له لماذا؟ فقال لي: رأيت في كلامك صدقا وهذا الذي جعلني أتصل بك، لقد كنت من المنخدعين بسياسة بوتفليقة في وقت غير بعيد، وقد عشنا مرحلة صعبة نعرفها جميعا، جعلتنا نعلق على كل قشرة ما من شأنها أن تُعجل بنهاية هذه الأزمة التي طال أمدها.
أنا شاب جزائري ولا أعرف كثيرا عن السياسة وربما كنت ساذجا عندما انخدعت بشعار العزة والكرامة الذي مافتئ يردده بوتفليقة. لقد كنت معه في العهدة الأولى والثانية وكنت من بين أنصاره والمشجعين له، بل من بين الذين يشرفون على عملية الانتخاب... الخ وهاأنذا اليوم أصبحت أكفر به وبسياسته وأتعوذ بالله من رؤية صورته.
كنا نعتقد أن بوتفليقة أب للفقراء والمحرومين فإذا بالطبقة المتوسطة تكاد تنمحي في الجزائر، فالمواطن احترق من الغلاء ومن الحرارة، أما الرشوة فأصبحت عيني عينك كما نقول بالجزائرية، أما الفساد الأخلاقي فإنك لو عدت إلى الأماكن التي كنت تعيش فيها لأصبت بالجنون، وقد رأيت أنّ بعض من يعيشون في الخارج أحرص على الوطن وقال لي بالحرف الواحد أصيب الناس بالقنوط وانعدمت الثقة وكفرت الناس بالسياسة... الخ.
وقد اتصل بي أكثر من باحث وأكثر من صحفي وأكثر من أستاذ جامعي بل أناس يعملون في أجهزة مختلفة،ناهيك عن بعض من الشخصيات الذين أتواصل معهم عبر الاتصالات الحديثة، وتواترت الإجابات كلها على أنّ العزة والكرامة ما هي إلا شعار أجوف، يستعمله بوتفليقة في خطاباته ومعه المنتفعون لدغدغة العواطف، والواقع هي الحسرة والندامة.
عندما نرى أناسا يذهبون لجنوب إفريقيا زعما منهم أنهم ذاهبون لمناصرة الفريق الوطني، ومنهم من ذهب بتذكرة مجانية ثم لا يعودون، عندما نرى ونسمع أن المساجين في أكثر من بلاد، عندما تُعرض عليهم العودة إلى الوطن يرفضونها، بل وصلني أنّ بعض السجناء في غوانتامو رفضوا العودة إلى الجزائر، عندما نرى شيخا وعجوزا وامرأة حاملا يمتطون زورقا مع الحراقة، عندما نرى أطفالا في الابتدائي يرفضون الذهاب إلى المدرسة، عندما نرى تجارا غير آمنين في ممتلكاتهم ويتمنون الهجرة، عندما نرى شبابا في مقتبل العمر يموتون في أعماق البحار وشعارهم "ياكلني الحوت ولا معيشة الذل"، عندما نرى... فعن أيّ عزة وكرامة نتحدث؟
نورالدين خبابه 18-07-2010
إرسال تعليق