ماذا تريد مني أن أقول عن أبي بكر الجزائري؟

وفاة الداعية أبوبكر الجزائري

ماذا تريدني أن أقول عن أبي بكر الجزائري؟

عندما سمعت خبر وفاة الداعية الجزائري، أبو بكر جابر الجزائري رحمه الله...اعتقدت للوهلة الأولى أنها مجرد دعاية، أو اشاعة كسابقاتها...فهذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها عن وفاته في وسائل الاعلام،  ولمن أراد أن يتأكد من غير العارفين لهذا الأمر، فليسأل محرك البحث غوغل...

مباشرة  بعد تأكدي من خبر الوفاة، نشرت الخبر على احدى صفحات التواصل، دون اثارة...

قرأت تعليقات كثيرة لجزائريين بعد أن شاع خبر الوفاة، منهم من يوجه عتابا للسلطات الجزائرية... ومنهم من يقدم لومه لعامة الشعب ...ويسأل: أين أنتم يامن تقيمون الدنيا ولا تقعدونها للتفاهات، فيما لا تحركون ساكنا لموت عالم جليل؟  ومنهم من يسأل: كيف لا تعلن السلطات الجزائرية الحداد لموت عالم جزائري قدم حياته لخدمة الاسلام، وفي المقابل، أقامت هاته السلطات الحداد على المغنية  وردة الجزائرية، وعلى فيدال كاسترو... وآخرين...؟ وهناك أسئلة كثيرة طرحت حول الموضوع... لست مضطرا لذكرها.

سألني أحد المعلقين: لماذا لم تولي هذا العالم الجليل  حقه، وأنت الذي تتحدث عن النملة عندما تبول في غابة الأمازون؟

إن أحسنت الظن بهذا الشخص ...فهو لا يعرفني، و يجهل ما أقوم به من نشاطات... ولو كان يعرفني حق المعرفة ماطرح السؤال ... والجواب هنا ليس لهذا الشخص، بل هو فرصة لتوجيه بعض الرسائل لمن يهمهم الأمر.


 لست من النوع الذي يكتب تحت الطلب...فالكتابة دون مشاعر تشبه الطعام دون ملح...ويمكنك فقط أن تفرق بين المفردات التي تئن من الأوجاع، والمفردات التي تشبه الانشاء  من شدّة التكلف.

ماذا تريدني  أيها السائل أن أقول عن الشيخ "أبو بكر الجزائري"؟
لقد ترك الجزائر ربما قبل أن تولد أنت ... وعاش  طيلة عمره في أحسن البقاع،  حتى أنه دفن فيها ولم يوص بدفنه في الجزائر ؟
كانت الجزائر تنزف دما  في التسعينيات، وقد دفعت مئات الآلاف من أبنائها  في محرقة، لعن الله من أشعلها ...وأتوقف عن الكلام هنا حتى لا أفتح المزيد من الجراح.
ماذا عساني أن أقول عنه؟  هل هو أحد الفقراء والمساكين في الجزائر، من الذين يتوددون كل يوم لشراء علبة دواء يعالج بها أمراضه المزمنة ولم يجد من يقف معه؟
أم هو أحد المكلومين من الذين زورت ارادتهم وعاش سجينا أو طريدا طوال حياته، ويحتاج من يحمل انشغالاته ويدافع عنه؟ أم هو أحد المجاهدين المعطوبين الذين أكلت حقوقهم، ويسكن في نفس الطابق مع حركي أو ابن حركي يحرش عنه كلابه كل يوم ليشتمونه ويشوهونه؟ أم هو أحد الذين اختطفوا أيام الفتنة والمأساة ولم يظهر عليه أي أثر؟  أم مات تحت التعذيب والاكراه ولم يجد من يرثيه؟

هل مات ولم يتزوج ولم ير الدنيا ومتاعها؟ أم قضى حياته يخدم الجزائر وشعبها في المهجر،  ولم يجد من يدفع  له تذكرة الطائرة ليعود محمولا على الأكتاف الى الجزائر ويتولى جنازته؟

وهل الأولوية  أيها السائل في أن نتحدث عنه، ونؤلف الكتب والقصص والروايات والأشعار؟ أم أن نتحدث عن ملايين  السوريين واليمنيين والليبيين ومن اخواننا في بورما المنسيين...  الذين يذبحون ويسلخون صباح مساء ويحرقون ... ونحاول اعادة الأمن والسكينة الى هاته البلدان... إذا ما نسينا الحديث عن حالنا في الجزائر؟
صمتي  أو عدم كتابتي في اللحظة التي أعلنت فيها وفاته، ليس استهانة بموت عالم كما تتخيل،   وإنما الحديث عن هذا الموضوع ليس فرضا...ولقد تحدث فيه من هم أعلى منا منزلة وعلما...
لقد ترك الشيخ رحمه الله كتبا تتحدث عنه وتعمل عليه، وطلبة يذكرونه في كل موعظة وعلى كل منبر...بل أكاد أجزم أن هناك الكثير من الناس من يتمنى أن يكون مثله...و يموت ويدفن في مقبرة البقيع...

قل لي ماذا قدمت أنت للجزائر؟  أم تريد أن توجهني و تملي علي ما أكتب وما أفكر فيه ، وأنت من يحدد أولوياتي ،ويختار لي ماذا أقرأ وماذا أسمع؟

لدي 18 سنة وأنا بعيد عن الأهل والوطن... وقد فقدت والدي وهما أغلى ما أملك...ولم تأخذك الشفقة ولا الرحمة أيها الجزائري...أن تسأل عني...أو حتى تلقي عني السلام،  وجئت تعاتبني...؟

كم من أعياد وكم من مواسم، وكم من سنوات وشهور قضيتها... وأنا أدفع  الفاتورة لوحدي ... جئت تحسابني  عن دوري...؟ من أنت ؟

 ما أصَحَّ وجوهكم وما أتعس لقياكم... هلك من فقد الحياء !
ماذا قدمت أنت للأمة  وأنت الذي كان يلعب عندما كانت الرؤوس تقطع؟ هل رثائي أو تأبيني لأبي بكر الجزائري يصلح طائرة، أو يحرث مزرعة، أو يسقي بستانا؟  أو يبني صاروخا، أو مصنعا؟ أو يصعد مركبة، أو يعالج مريضا ؟ أو يقضي دينا؟

مالذي تريده مني وأنا لا أملك سلطة ولا جاها ولا مالا ولا قناة ولا صحيفة  الا هذا القلم المحاصر؟
أتسأل عن موت شيخ تجاوز التسعون عاما  ولا تسأل عن  أجيال تموت... !  تسأل عن الحداد  ولا تسأل عن جزائريين فقدوا كرامتهم وآدميتهم ...؟
أتسأل عن رثاء شيخ طاعن في السن ولا تسأل عن رثاء أمة  تترنح تحت ضربات الجهل والتخلف؟
هل واجب علينا أن نظل نعد الموتى ونقيم سرادق العزاء...أم واجب علينا أن نزرع الأمل؟

والله لو رأيت دموعي وهي تنهمر عند فقدان والدي الكريمين، وسمعت تأوهاتي...وتنهداتي ... وسمعت آهات المفقودين واللاجئين، واليتامى، والمطرودين من العمل، والمغتربين، والحراقة والبطالين...والعوانس...لاستحييت من طرح السؤال.
ماذا تريد مني أن أقول عن عالم قضى حياته وترك أجيالا تتحدث عنه؟

نورالدين خبابه 16 أوت 2018

إرسال تعليق

[facebook]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget