هجرة الجزائريين من أرض الواقع الى المواقع !

هجرة الجزائريين من أرض الواقع الى المواقع


تحول فضاء الأنترنت في السنوات الأخيرة ، سيما منذ هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي،  الى متنفس كبير للعائلات الجزائرية بالتحديد على اختلافها ... وهذا نتيجة  لعدة عوامل، منها ما تعلق  الأمر بالغلق  الذي مارسته السلطات الجزائرية على الشعب...ومنها ماتعلق الأمر بالبحث والتنقيب عما جرى أثناء المأساة ،في ظل اعلام  لا يخضع الى احتكار السلطة... وكذا التلاعب بإرادة الشعب في مواعيد مختلفة ... التي دفعت الى الطلاق البائن،   واللامبالاة، وفي أحسن الأحوال الى الصمت المحير...

كما أن الضغوطات النفسية اليومية، دفعت بالكثيرين سواء في الداخل أو في الخارج الى استعمال هاته المواقع كنوع من الاسترخاء  والافراغ  والترفيه.

 واستطاع الجزائريون  من خلال هاته الفضاءات أن يطلوا على المجتمعات الأخرى، ويروا كيف يعيش مواطنوها وكيف يستعملون هاته الفضاءات في الدفاع عن بلدانهم والتعريف بها سياحيا  أو اقتصاديا..أو، أو ...وقد أعطت  الأنترنت  الفرصة  للجميع  أن ينشروا  في المواقع وأن يحرروا  بأنفسهم، وأن يدافعوا عن معتقداتهم وآرائهم،  وأن يرفعوا انشغالاتهم وكذا احتجاجاتهم... وأن يتنافسوا فيما بينهم في فنون مختلفة ... ويتعرفوا على أشخاص يقاسمونهم نفس الأفكار والتصورات والمعتقدات والاهتمامات...

كما سمحت هاته المواقع  بالدعاية للمنتجات و التسوق...والتعلم...  وسمحت لمواطنين أن  ينقلوا الأخبار من أماكن الحدث...  بدل انتظار نشرات الأخبار التي باتت تعتبر حمل فنجان قهوة معجزة، فيما تغض الطرف عن أخبار  مصيرية  تتعلق بحاضر ومستقبل البلاد...

وقد وجد الكثيرون أصدقاء ولو افتراضيين، عوضوهم على صداقات باءت  في أحيان كثيرة  بالفشل... وحولت حياتهم الى جحيم لا يطاق. كما أعطت مواقع التواصل  الفرصة للنخب المهمشة والأقلام المحاصرة أن يكسروا الأغلال...ويستغلوا منصات التواصل  ويحولوها الى منابر يسوقون فيها لأفكارهم.

وقد ساهمت هاته المواقع في كسر الحدود التي صنعتها دول الاحتلال ومن بعدها الخدم، وأحاطتها بسياجات. ومن خلال هاته المواقع تعرف  الكثيرون  على علوم مختلفة...ووجدوا ضالتهم ، فهذا     يتسوق    وذاك   يشتري بضائع  من قارات مختلفة... وذاك يجني أرباحا وآخر يحمّل كتبا بالمجان...وهذا  يستخرج  وثائق  في لحظات معدودة،  والآخر يطالع خرائط  وبرامج ووثائق ويربح أوقاتا... ما كانت لتكون لولا هاته الخدمات...

كما أن الهاتف وبرامج المحادثة  عن طريق النت، عرفوا نقلة نوعية وساهموا في التخفيف من الأعباء  التي كانت تثقل  كاهل المواطن  وتمنعه من التواصل...وجاء النقل المباشر الذي عرف طفرة  وأصبح خدمة لا يستهان بها ، حيث أصبحت مواقع وصفحات تنافس قنوات فضائية.

لقد فتحت الأنترنت آفاقا كثيرة، وعرفتنا  برجال وحرائر في كل بقاع العالم وكشفت لنا مواهب مختلفة...وأماطت اللثام على مواضيع كانت في خانة المحظور. وتحول موقع اليتيوب الى مدرسة يتعلم فيها الناس ، فيدخلون الجامعات  دون عسس ويحضرون النقاشات ويتابعونها على المباشر.... ويطلبون النصائح والارشادات  من الأطباء والمختصين...

و مع الفوائد التي لا ينكرها الا جاحد...الا أن هناك مضارّ كثيرة...بحيث أصبح موقع الفاسبوك على سبيل المثال ومواقع أخرى مشابهة... إلى فضاء لعرض الفضائح وكشف الأسرار الشخصية ... الى درجة من أصبح ينقل أسرار غرف  النوم وأعراس فيقاعات مغلقة...فساهم في نشر الجريمة وتدمير عائلات بأكملها...نتيجة الجهل بهاته الوسيلة الفتاكة.

لقد وجد الكثير من الناس في ظل الكبت والاستبداد  هاته  المواقع فحولوها الى بوح الخاطر...وقد استطاعت أجهزة مختلفة وفي اختصاصات مختلفة ومن عواصم مختلفة...  أن تستغل هاته المواقع ، وأضحت  تستعمل المعلومات وتوظفها  عبر أنظمة معلوماتية دقيقة وبرامج للتجسس وتحديد الأماكن وتتبع أصحابها خطوة بخطوة.

كما أن هاته المواقع تحولت في المدة الأخيرة بعد رواجها، الى تصفية للحسابات، وكذا تسريب معلومات قصد الضغط والتوجيه...والابتزاز ،والاضرار بدول عن طريق الاختراق والتوجيه المغرض. فاضطر الكثيرون لغلق حساباتهم، وهجر هاته المواقع التي أصحبت تزيد من  رفع الضغط النفسي ونكد الحياة بدل التخفيف   ،ناهيك عن سرقة المعلومات والأفكار ... ولا يخفى عليكم كم من حادثة انتحار حصلت على المباشر وكم من حراقة ماتوا في أعماق البحار وأخرجتهم الأمواج والحيتان..

الواضح من خلال التصعيد الذي نشهده  على صفحات الفاسبوك، والحقد الذي بات واضحا وينبئ بتصفية حسابات  لها أول وليس لها آخر... ... يعبر عن هجرة  من الواقع الى المواقع ...أننا مقبلون على مرحلة ربما ستنسي الجزائريين والجزائريات سنوات خلت...وهذا لأن الكثيرين مع الأسف ليست لهم ثقافة اعلامية  ولا أمنية ولا ثقافة عامة ...تمكنهم من معرفة التأثيرات السلبية الناتجة عن نشر معلومات تضر بالأسرة والمجتمع...ويجهلون ما يقومون به...حالهم يشبه ذاك المجنون الذي يقوم بإشعال الفتيل في كل الاتجاهات في غابة ولا يكترث  بتداعيات مايقوم به.

وعليه: على الخيرين والخيرات  من أبناء الجزائر المساهمة في نشر الوعي والتوجيه الصحيح،  وعدم ترك المجانين يفرضون واقعا مرا على الجزائريين...لأن ما سيحدث في ظل هذا الاعلام لا مقارنة له بالاعلام الذي يخضع للرقابة والتوجيه.

نورالدين خبابه 31 أوت 2018

إرسال تعليق

[facebook]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget