الانتخابات الرئاسية في الجزائر بالتدليس لفرض "رئيس" !

الانتخابات الرئاسية في الجزائر لفرض رئيس بالتدليس


عاد الحديث في الجزائر مجددا عن الانتخابات الرئاسية كخيار أسلم للتغيير، في ظل الحراك الذي تشهده الجزائر منذ تاريخ 22 فيفري 2019، والذي جاء كنتيجة حتمية لتراكمات سلبية كان مفجرها دعاة العهدة الخامسة للرئيس المخلوع.

وبدأ الخوض في الإنتخابات الرئاسية على مستويات مختلفة لإيجاد خليفة ينهي الفراغ الذي تركه نظام الحكم بشغور منصب الرئيس المقعد، بعد إفشال تاريخ الانتخابات المقرر في أفريل وجويلية من هذا العام 2019.

وبدأت عملية الاستقطاب والتجاذبات، والمشاحنات ... فهناك من يقترح وهناك من يرفض، وهناك من يشترط، وهناك من يندد ويحتج وهناك من يصرخ وهناك من يبكي حظه...وهناك من يزايد وهناك من ينتهز الفرصة وهناك من لا يعبأ بما يجري.

واحتدم الصراع بين من يرى أن المشارك في الانتخابات الرئاسية في ظل الأوضاع التي تعيشها الجزائر... خائن يجب الاقتصاص منه، وهناك من يرى أن المقاطع لها في ظل الأوضاع التي تعيشها الجزائر خائن يجب الاقتصاص منه...

واحتار الكثير من الناس أي قرار صحيح يسلكونه لتجنبيت البلاد المزيد من الصدام... في ظل اعلام منحاز ومضلل وغير موضوعي... تحكمه خلفيات وأطماع ... وفي ظل وضع أمني معقد ومتأزم تشهده المنطقة ...ناهيك عن تداعيات الأزمة الاقتصادية على جيب المواطن وعيشته... وفي ظل هيمنة دولية واضحة، دون أن ننسى تسابق الانتهازيين للتموقع تماشيا مع الواقع الجديد الذي فرضه الحراك بعد سجن بعض رؤوس الدولة العميقة...


وعليه: أصبح من الضروري توضيح بعض النقاط حتى لا يتم التدليس على الشعب مرة أخرى بالوطنية المغشوشة.

أولا علينا أن نعيد طرح السؤال: مالذي دفع الشعب الجزائري الى الشارع ومن الذي أخرجه؟ وماهي مطالبه ولماذا يستمر الحراك وضد من وإلى أين؟


حقيقة أن الانتخابات الرئاسية في الجزائر هي مفتاح للأزمة الجزائرية. ولا شرعية في الجزائر إلاّ لمن فوضه الشعب عبر الصناديق الشفافة وضمن تنافس شريف ووفق شروط وضمانات...
فعدد التعليقات في مواقع التواصل وعدد الاعجابات والظهور على الشاشات والمبيت في القنوات ليس علامة للشرعية...ولا هو حق مشروع للحديث باسم الشعب. كما أنه ليس من وضع القبعة على رأسه مفوض للبث في خيارات الأمة من منطلق أنه يمتلك القوة...فنحن الآن محتاجون الى قوة الطرح لا إلى طرح القوة.

انّ الخلل لم يكن أبدا في الانتخابات كخيار، فهي الرهان الحقيقي نحو الأفضل مهما كانت البدايات والارهاصات والعقبات.. ومهما كان نوع الثورة ولونها، فالعودة الى الصندوق حتمية لنيل الشرعية الشعبية... وإنما السؤال: على ماذا ننتخب ومن أجل ماذا وكيف؟

إن الانتخابات في الجزائر لاختيار شخصية لمنصب الرئيس، والوقوف مع مرشح ضد آخر دون الأخذ بعين الحسبان الوضع الاقليمي والدولي ، والوضع الذي عاشته الجزائر قبل فترة الاحتلال من صراعات مختلفة داخل حزب مصالي الحاج وقبل اندلاع ثورة التحرير، وكذا بناء الجمهورية على أساس خاطئ بعد اتفاقيات ايفيان ..
وامتداد الصراع حتى داخل الأحزاب السياسية وكان عاملا في تقسيمها... هو إضاعة فرصة تاريخية أخرى على الشعب هو في غنى عنها، ومحاولة أخرى للهروب إلى الأمام باستعمال عامل الوقت، والتنصل من المسؤولية التاريخية التي تحتم على كل الشرفاء التحرك قبل الدفع بالجزائر الى المجهول.

إن الذين يتهمون خصومهم بالخوف من الارادة الشعبية والانتخابات،ويحاولون فرض سياسة الأمر الواقع على الشعب... بالسير بنفس الاليات ونفس العقليات هم في الحقيقة من يخاف ارادة الشعب.

لأن الذي يريد فعلا مصلحة الشعب والأجيال عليه أن يبدي حسن نيته من خلال تغيير الخطاب والسلوك... ويضع حدا لهذا النزيف الذي تعيشه الجزائر على كل الأصعدة ويدفع الى إرجاع الاطارات والكفاءات لا الى تهجيرها، ويفتح الباب نحو المنافسة الشريفة وفق تكافؤ الفرص....و يؤسس الى مناخ جديد تسوده الأخوة والتسامح وتطبعه الأخلاق...لا الى مزيد من الحقد والكراهية ، ويبرز ثقافة جديدة و واقعا جديدا يؤسس الى انتخابات لم تشهدها الجزائر من قبل... لا الى فرض رئيس بالتدليس والتبزنيس.

انّ الجزائر كانت تسير دون رئيس على الأقل منذ سنة 2013 بعد اصابة الرئيس بجلطة دماغية ... وهذا بعلم قيادة الأركان وجهاز المخابرات والدليل في ذلك تمرير العهدة الرابعة وتمهيد الطريق للعهدة الخامسة قبل حراك 22 فيفري والخطابات مسجلة وموثقة ...

والمتسرعون لفرض يوم الاقتراع بتاريخ 12 ديسمبر 2019 دون تهيئة الظروف العقلانية لاقتراع سيد ... لا يخافون في الحقيقة على مصلحة الشعب بقدر ما يخافون على مصالحهم ...ولذلك يقومون بالتدليس على الشعب لفرض رئيس يريدونه حسب المقاس ويتهمون مخالفيهم بأنهم يريدون الاضرار بالجزائر ولا يحرصون على مصلحتها.

انّ من كانوا بالأمس يتهمون أي رافض لسياسة الرئيس بوتفليقة وعدم المشاركة في انتخابات مقررة ومحددة ومحسومة ... بالفتنة، وبمحاولة جر البلاد الى حرب أهلية وجلب حلف الناتو... هم أنفسهم من يتهم حاشية بوتفليقة اليوم بالعصابة وهم أنفسهم من يتهم معارضي سياسة سلطة الأمر الواقع بنفس التهم وبنفس الأحكام...

إن جذور الأزمة الجزائرية عميقة لم تأت مع نظام بوتفليقة ولن تنته بموته ولم تأت مع صعود الاسلاميين للحكم ولا بقطع الطريق أمامهم ... و لا يحلها أي رئيس في الجزائر مهما كانت كفاءته وحنكته السياسية وتاريخه... بل لابد له من ارادة شعبية وسياسية حقيقية تبدأ باشراك الشعب في صنع القرار ليس بوضع ورقة الانتخاب في صندوق لاختيار تحت الاكراه بين ذئب غادر وثعلب ماكر.

بل بحوار صريح وشفاف يبدأ بوضع أرضية مشتركة وضمانات وميثاق....يقودنا جميعا الى انهاء الوصاية على الشعب مهما كان نوع هذه الوصاية وأصحابها...والتوجه نحو بناء جمهورية جديدة لا سيادة فيها الا للشعب ... وفق مشروع مجتمع جديد يسع الجميع يراعي هُوية الشعب وثقافته المتنوعة وجغرافية البلاد وموقعها الاستراتيجي، على أسس صحيحة ومتينة لا تؤثر فيها الهزات ، جمهورية تجسد فيها مصالحة وطنية حقيقية شاملة على مراحل.
إن التدليس على الشعب بمحاولة فرض أمر واقع عليه من خلال التخويف والتضليل والتمويه... لن يقدم الجزائر ولن يحل أزمتها المعقدة التي باتت تنذر بخطر كبير ... بل سيزيد من تعفين الأوضاع ويفاقم حالة الانسداد الى غاية الانفجار الوشيك... و يدفع مناطق من الوطن في ظل الجهوية والمحسوبية والتهميش والاقصاء والاحتقار ...وسياسة لا أريكم الا ما أرى الى الانفصال وتقسيم الدولة الى دويلات ...أو الى عودة الدولة العميقة وعودة الاحتلال .

إنّ الانتخابات الرئاسية في الجزائر بالتدليس لفرض "رئيس" ليست سوى محاولة أخرى لتأجيل حل الأزمة وربح مزيد من الوقت وتهيئة الأوضاع لعصابة أخرى ستنشأ بشكل آلي.

نورالدين خبابه 21 سبتمبر 2019

إرسال تعليق

[facebook]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget