الحراك في الجزائر بين الاختيار والانصياع!

تحليل لوضع الحراك الجزائري بعد ثمانية أشهر، بين حرية الاختيار وفرض الأمر الواقع، ودور السلطة العسكرية والدولة العميقة في توجيه المسار.

يعود هذا المقال إلى خريف 2019، بعد ثمانية أشهر من انطلاق الحراك الشعبي في الجزائر. يحاول الكاتب تشريح لحظة التحوّل من أملٍ في مرافقة المؤسسة العسكرية لمطالب الشارع، إلى شعور متزايد بأن الدولة العميقة تستعيد المبادرة عبر فرض الأمر الواقع، وتطويع جزء من الحراك ضد جزء آخر، بين حرية الاختيار والانصياع القسري.
الحراك في الجزائر بين الاختيار والانصياع!

مرّت ثمانية أشهر على بداية الحراك الذي انطلق في الجزائر، وكان الحراك نتيجةَ تراكماتٍ مختلفة أدّت في مجملها إلى ضرب الطوق على بعض رؤوس العصابة التي كانت تتحكّم في مصير الشعب وترهن مستقبله إلى أجل غير مسمّى، وأرغمتْهم على التراجع.

واستعاد الشعب الجزائري – إلى حدّ ما – حريةَ المبادرة، وتمكّن من هدم حاجز الخوف، بعدما كانت الدولة العميقة تستثمر فيه وتربطه بالمأساة الوطنية، وتوظّفه وقتما شاءت وكيفما أرادت، وبالوسائل التي تحدّدها للبقاء في السلطة واستغلال ثروات الجزائر المختلفة.

وظنّ الشعب الجزائري أن السلطة العسكرية الجديدة ستواكب الحراك وتحقّق حلم الشهداء في إرساء معالم نهضة لطالما حلم بها الشعب، لاسيما وأنّ تصريحات قيادة الأركان وعدت الشعب أنها ستواكب الحراك وتطبّق حرفيًا مطالب الشعب.

ولكن – مع الأسف – ومع مرور الوقت، ها هي الوقائع كلُّ يوم تُظهر عكس ما كان يتمناه الشعب وتطمح له أغلبيته؛ باحتواء جزء من الحراك وتوظيفه ضد الجزء المتبقي من أفراد الشعب المتفاعلين، وذلك باستعمال بعض النعرات، وتهميش كلّ المبادرات الموضوعية التي اقترحتها شخصيات وطنية مقبولة من قبل شرائح داخل الحراك، وكذا مجموعة من النخب والمثقفين، وكانت تهدف في مجملها إلى بناء جزائر جديدة بوجوهٍ لم يلطّخها الفساد الأخلاقي والمادي.

وتحاول هذه السلطة الفعلية فرضَ الأمر الواقع، بإبقاء عبد القادر بن صالح في منصب رئيس الدولة، وحكومة بدوي، وكذلك تعيين لجنة كريم يونس ومعه أشخاص مطعون في نزاهتهم، لاسيما وأنّ منهم من تورّط مع العصابات بشكلٍ أو بآخر، وكذا اللجنة المديرة للانتخابات التي سارت على نفس النحو مع تغييرٍ سطحيّ زاد من انقسام الصف الجزائري.

كان على السلطة العسكرية ألّا تفوّت هذه الفرصة التاريخية على نفسها أوّلًا وعلى الشعب، وذلك بإشراكه في صنع هذه النهضة المنشودة التي تبدأ بحوارٍ جادّ، صادق، شفاف، ودون إقصاء أو تهميش؛ تقوده شخصيةٌ وطنية مشهودٌ لها بنظافة اليد والعِرض، ولم تشارك النظام – على الأقل منذ 1992 – كعربونٍ للثقة...

وأن تهيّئ الظروف الملائمة للانتخابات الرئاسية بإبداء حسن النيّة وتكافؤ الفرص، وخلق مناخٍ يعود فيه المبعدون إلى وطنهم، وكذا إطلاق سراح مساجين الرأي، ورفع الوصاية عن الشعب وعلى وسائل الإعلام والمؤسسات المختلفة، وعدمِ التصرّف في قراراتٍ مصيرية دون استشارةٍ واسعة للشعب.

فشتّان بين حرية الاختيار التي تبدأ باستعادة المبادرة واحترام الحريات الفردية والجماعية وتجسيد العدل وعدم الإكراه، وخلقِ أجواء تسود فيها الأخوّة والتسامح والتنافس على خدمة الجزائر عن طريق المشاريع والبرامج والتنوّع الثقافي...

وبين فرض الأمر الواقع على شرائح واسعة من الشعب، من خلال سياسة التدجين والتخوين والترهيب والترغيب والتخويف والتعيين والمنع والسجن، وفرضِ الانصياع لخيارات وقرارات السلطة العسكرية، والدفعِ بالشعب – دون رضاه – لاختيار واجهة جديدة تضفي شرعيةً سطحية موجَّهة بالأساس إلى الخارج.

نورالدين خبابه  
11 أكتوبر 2019

إرسال تعليق

[facebook]

أرسل رسالة نصية

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget