تأتي هذه الخاطرة في الذكرى الأولى للحَراك الشعبي الجزائري، حيث يجسّد الكاتب الحَراك في صورة أنثى مرتبكة تسأل عن الصبر والنهضة والهوية والمستقبل. عبر لغة أدبية مكثّفة وأسئلة متتابعة، تتحوّل الخاطرة إلى مرآة لخيبة الجزائريين من الواقع، وإلى نداء أخير للحَراك: إذا أردتَ النهضة فاستيقظ.
الخاطرة الأولى للحَراك الجزائري في عامه الأول!
اقتربت منّي وعلامات الارتباك على محيّاها، وفي مقلتيها دمعٌ...
تنهّدت حتى ارتسمت أضلاعها على فستانها، وكادت أن تخرج رئتَاها وأمعاؤها، ثم تراجعت خطوة واستعادت برهة بعض أنفاسها وابتسمت، فظهر بلعومها وكاد أن يلتصق مع اللسان والأسنان... جاءت هبّة ريح فحرّكت شعرها...
صاحت باتجاه الجماهير في الداخل والخارج، من فوق شرفة بتغطية من عشرات القنوات، وهي تحمل علمًا ثلاثيَّ الألوان تنبعث منه رائحةُ المسك، وتنادي:
كيف لك أن تصبر على الصبر؟ كيف يحسّ الإحساس؟ وكيف يسكن الوطنُ صاحبَه؟ وكيف يحنّ الحنين؟
كيف يستيقظ الاستيقاظ؟ كيف تنهض النهضة؟ كيف يبني الوطنُ الوطنَ؟ كيف تعود الجزائر للجزائر؟ كيف يعود المغترب من غربته؟ متى نسمع تكبيرة الشهيد في الحَراك، ونشمّ التراب الذي وطأته قدماه؟ وزغاريدُ الحرائر تعلو على القمم؟
قلت: اسألي الشعار عن الشعار، واسألي العَلَم عن العَلَم، والعِلْم عن العِلْم، واللغة عن اللغة، والأخلاق عن الأخلاق، والإحسان عن الإحسان، والتقاليد عن التقاليد، والإيثار عن الإيثار، والوفاء عن الوفاء، والميعاد عن الميعاد، والأنفة عن الأنفة، والجزائري عن الجزائري...
اسألي الشرطي عن الأمن، والرئيس عن الرعية، والإدارة عن الإدارة، والاقتصاد عن الاقتصاد، واسألي الإمام عن الإمام، والطبيب عن الطبيب، والقاضي عن العدالة، والباحث عن البحث، والأستاذ عن التربية، واسألي الشفاء عن الدواء، والمستشفى عن المريض، واسألي الأزمة عن الأزمة، والمأساة عن المأساة، والتاريخ عن التاريخ، والحاضر عن الحاضر، والمستقبل عن المستقبل...
اسألي الحليب عن الحليب، والخبز عن الخبز، والعنوسة عن العانسَة، والبطالة عن البطّال، والعمل عن العامل، والفلاحة عن الفلّاح، والسياحة عن السُّوّاح، والوعي عن الوعي... واسألي الأسماء عن الأسماء ما شئتِ.
تنهدت وقالت: أكمل...
قلت: ملّ الصبرُ من الصبر، وبينما هو عائد في الطريق إلى بيته سار الطريقُ به فتعثّر، وملّ الوجعُ من الوجع وقرّر الوجعُ أن ينتحر.
ذهبت الابتسامة مع الابتسامة، والنية مع النية، والصدق مع الصدق، والإخلاص مع الإخلاص، والقناعة مع القناعة... وبقي الكذبُ مع الكذب، والجشعُ مع الجشع، والغدرُ مع الغدر، والانتهازيةُ مع الانتهازية... ذهب الأدب مع الأدب، والتاريخ مع التاريخ، والشجاعة مع الشجاعة.
بكت الدموع حتى شهقت... سقطت دمعة فوق الأرض فتشقّقت، وخرج ينبوعٌ من الصخر، فنطق الصخر وقال: «اقرأ»، فقرأت: صمٌّ بكمٌ عميٌ.
كيف لوزير أن يشتكي من الوزارة؟ وكيف لوالٍ أن يشتكي من الولاية؟ وكيف لرئيسٍ وجيشٍ أن يشتكيا للشعب؟ وكيف لصحفيٍّ يشتكي من الإعلام؟ وكيف لشعبٍ يشتكي لشعب؟
صرخت وقالت: ماذا تريد؟
فقلت: أيها الحَراك، إذا أردتَ النهضة فاستيقِظ...
نورالدين خبابه
30 جانفي 2020

إرسال تعليق
ماشاء الله استاذ