الدولة العميقة في الجزائر واستعمال حراك السبت للتموقع من جديد!

مقال يشرح كيف تستعمل الدولة العميقة في الجزائر مسيرات السبت لاختراق الحَراك وإعادة التموقع، ويحذر من تشتيت طاقة الشارع وإرهاقه.

يتناول هذا المقال طريقة عمل «الدولة العميقة» في الجزائر، وكيف حاولت اختراق الحَراك الشعبي واستغلال مسيرات السبت تحديدًا لإعادة التموضع والتحكّم في الشارع من جديد. من خلال قراءة ميدانية لسلوك الأجهزة والإعلام والقوى المتصارعة، يحذّر الكاتب من تشتيت طاقة الحَراك وإرهاق المواطنين، ويدعو إلى استراتيجية واحدة تحفظ سلمية الحراك ووحدته.
كنّا قد تحدثنا عن الدولة العميقة في الجزائر، قبل أن يُرسَّم الحَراك شعبيًا يوم 22 فيفري 2019 كيوم وطني، بسنوات، وأفردناها فيما بعد بمقال شرحنا فيه على الأقل الخطوط العريضة لهذه الدولة العميقة وأساليبها، لمن أراد مراجعة ذلك.

وقد كانت هذه الأخيرة، ولا تزال، تخترق الحَراك بأساليب ووسائل مختلفة، بدليل أن الذين يردّدون شعار «مدنية ماشي عسكرية» وكذلك: «الجنرالات إلى المزبلة» وغيرها من الشعارات والأهازيج… ومنهم من يطالب بحلّ الشرطة السياسية… يؤكدون أن الحكم في الجزائر لا يخضع لسلطة الشعب.

فمن السذاجة إذًا أن يُعتقَد أو يُتصوَّر غياب الاختراق في هذا الحَراك. وليس من المنطق أن تخترق الأجهزة الأمنية المختلفة في الداخل والخارج الجلسات المغلقة، وتصل إلى غرف النوم وأماكن الخلاء بتنصيب كاميراتها في الأجهزة لالتقاط وسماع أدقّ التفاصيل… ولا تستطيع الدولة العميقة بأجهزتها اختراق حَراك على الهواء!

لقد حاول بعض خدمها في بداية الحَراك سحب المبادرة من الشعب في الجزائر، حيث أفلتت المبادرة من قبضتهم، لاسيما وأن قيادة الأركان وجدت الفرصة لتفرض واقعًا بالقوة على بعض رجالاتها، واستعمال الحَراك كغطاء لإمساك السلطة المدنية من جديد، والسيطرة على مؤسسات حيوية، والتحضير لتغيير الواجهة…

وقد اختار الخدم فرنسا في البداية بعد فشلهم في المسيرة التي كانت متجهة إلى قصر المرادية بالجزائر العاصمة بإيعاز، بغية تمكين علي غديري أو بن فليس من الحكم. وقد حدّدوا بعدها ساحة الجمهورية لما تحمله من رمزية، باستعمال الإعلام الخارجي للتوجيه، لكنهم فشلوا في فرض الأمر الواقع، لأن بعض وسائل القوة ضاعت منهم، واختلفت المصادر ولم تعد كما كانت من قبل تتحرّك من جهة واحدة ومكان واحد…

وقيادة الأركان قد ضربت خناقها على بعض قياداتها، وكانت تتابع أدقّ التفاصيل وترصد جماعة توفيق من أحزاب وشخصيات وإعلاميين وأرباب مال… إلخ.

وها هم اليوم يحاولون استعادة المبادرة في الجزائر بعدما أبعدوا فئات من الحَراك، باستعمال الحمقى من الإسلاميين للتخفي بهم كما دأبوا، حتى تعود المبادرة لهم من جديد، بعدما أدركوا أن مَن في الخارج لم يعد بإمكانهم التأثير كما كان في السابق على الرأي العام، لاسيما وأن القنوات الخاصة في الجزائر قد اختارت السير طوعًا أو كرهًا في طريق قيادة الأركان أثناء حكم قايد صالح.

واستطاعت هذه القنوات أن تؤثر في المشهد لسحب البساط تدريجيًا من بعض القنوات الأجنبية التي كانت تؤثر على الرأي العام في الجزائر، واستعادت عددًا لا بأس به من المشاهدين. وهدفهم كان ولا يزال هو التصعيد للدخول في مواجهة مع قوات الأمن لفرض أمر واقع، لاسيما وأن قوات الأمن بدأت تُنهِك مع طول المدة، ودفع منطقة القبائل ومنطقة مزاب للعصيان، لاسيما وأن قايد صالح الذي كان يشكّل حاجزًا، وقد صرّح أنه لن تسيل قطرة دم، قد مات.

من الناحية العملية: لا تستطيع الأغلبية في الحَراك حاليًا، لعدة اعتبارات، الخروجَ كل يوم بنفس الزخم؛ لأن هذا الخروج اليومي فيه تشتيت للطاقة، وإجهاد للنفس، والتأثير على حركة النقل والعمل والتجارة ومصالح شتّى تؤثر سلبًا على حالة المواطن. وهكذا تعود المبادرة تدريجيًا لأصحاب السبت الذين كانوا يخترقون الحَراك منذ بداياته، ولا يزالون يراقبونه وينتظرون ساعة الحسم بلهف شديد.

وسيؤدي تشتيت طاقة الحَراك الذي كان يشكّل قوّة يوم الجمعة، تدريجيًا، إلى انسحاب العديد من الوجوه بسبب الإرهاق. ومن جهة أخرى، ستستعمل قوات الأمن القوة يوم السبت عندما ترى الحَراك مشتّتًا، «في حالة نفاد قوّة الصبر»… وسيؤثر ذلك بشكل آلي على يوم الجمعة.

قلنا ونكرّر: لابد من استعمال طول النفس، والابتعاد عن الاحتكاك بقوات الأمن، لصناعة وعي عام داخل مؤسسات الدولة، والابتعاد عن استفزاز أيّ عنصر لأن ذلك سيؤثر سلبًا على البقية ويجعلهم خصومًا بدل أن يكونوا مرافقين للحَراك. والابتعاد عن الشعارات العنصرية والاستفزازية التي تدفع الطرف المستفَزّ إلى أن يقوم بردّ فعلٍ للطرف المستفِزّ، وتجنّب السبّ والتخوين، وعدم احتكار الحَراك باستحواذ فئةٍ على حساب الأغلبية في وسائل الإعلام… واستخدام استراتيجية وبديل أقوى من استراتيجية النظام.

وفي الأخير: أرى أنّ الاكتفاء بيوم واحد في الأسبوع، وإلغاء الثلاثاء والسبت والعمل جماعيًا على مطالب موحّدة، وحماية الحَراك من المتعصّبين والعنصريين… يعيد للحَراك زخمه، مع تطويره بتنوّع المبادرات وتزاوج الأفكار، وأخلقة الحَراك بمرشدين وعلماء النفس والاجتماع والدعاة والمفكرين والكتاب والشعراء… وخلق فضاءات للحوار والتواصل لا فضاءات للإهانة والتهديد…

والتركيز على المصلحة العامة، وليس مصلحة حزب أو حركة أو فئة أو جماعة أو منطقة، لإقناع مَن بيدهم القرار أن يتنازلوا عن بعض المسؤوليات، لإشراك الكفاءات والطاقات والعمل مرحليًا على إرساء معالم دولة الحق والعدل والقانون وفق مشروع مجتمع جديد يكون منطلقًا لجزائر منشودة.

نورالدين خبابه  
12 مارس 2020

إرسال تعليق

[facebook]

أرسل رسالة نصية

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget