الحراك الشعبي الجزائري الذي نريد !

الحراك الذي نريد في الجزائر

قبل أن أتحدث عن إثراء الحراك في الجزائر، لابدّ من مقدّمة حتى ولو كانت مؤلمة لبعض الانتهازيين وراكبي الأمواج،  لاسيما وأنها تذكرهم بماضي قريب،  كانوا فيه  أداة  للقتل، وتشريد أسر ومناطق بأكملها،  ومنهم من حقق أموالا على حساب آهات الآخرين، وأي مهنة  وأيّ شرف لمن يتغذى من الدّماء والدّموع!

كنت ولا فخر من الداعين لتبني المصطلح الجديد "الحْـــَراكْ" ، وهي كلمة تم اشتقاقها من الحركة... في الندوات المتعلقة بالتغيير في الجزائر، التي كنت أديرها ، بدل مصطلح الثورة،  وفي كتاباتي وتعلقياتي...

 وهذا لتفويت فرصة شيطنة الاحتجاجات التي استأنفت  في جانفي 2011.
وكان جزء من تلك الاحتجاجات مفتعل لخدمة  الدولة العميقة وأهدافها، كافتعال جزء من أحداث أكتوبر 1988...للتحكم في مسار الاحتجاجات، والقيام بتغييرات لا تُلبّي في الأصل طموحات الشعب، بل تهدف لمنع التغيير وتنفير الشعب من خلال التخويف النفسي باستعمال المأساة، واستبدال الواجهة.

وكلنا يذكر تكليف الجنرال تواتي  بمهمة المشاورات، و ذلك السبت الهجين الذي صعد فيه سعيد سعدي فوق سيارة الشرطة في إحدى الساحات بالعاصمة، وأصبح يلقب بـ سعيد Samedi. كنت من الناقدين لما سُمي بالربيع العربي،  وأتحدث عن الاختراق  الذي حصل  لإجهاض عملية التغيير، وكنت أربط  ذلك الإختراق بأحداث سبتمبر  سنة 2001،  لاسيما وأن ما أطلق عليه الربيع العربي  استهدف  دولا بعينها، وأحذر أصحاب التوجه الاسلامي من تقدم الصفوف، و من مغبة العمل المسلّح الذي سينجم عنه خراب في ليبيا وغيرها من الأوطان، ويكون مقدمة لاحتلال أوطان، وأحذر من تهيئة تدمير الجيوش،  لاسيما الجيش المصري والسوري والليبي واليمني ... الذي إن حصل فستدمر دولة بعد أخرى...وكنت أحذر من تجسيد فكرة الشرق الأوسط الجديد بأيادي عربية، وفي المقابل كنت أعمل من خلال الحوارات للوصول الى وعي جماعي.

وأردّد مصطلح الحراك السلمي  يوم أن كان بعض من يحاولون تزعم الحراك هذه الأيام  ... يساندون حاملي السلاح في ليبيا  ويلقبونهم بالمجاهدين ...وووو  وينعتون غيرهم بالمثبطين والخونة ... وكان منهم من لا يرى حرَجًا في قدوم حلف الناتو لإنقاذ شعب ليبيا المسكين،  ومنهم من يمدّهم بالفتاوي ويحرّش بينهم ويُشهِرُهم في شتى وسائل الاعلام...ومنهم من  وصل إلى درجة التنسيق مع جهات كانت تحت حماية حلف الناتو،  وتحت حماية  أوباما وساركوزي ، وبتغطية قنوات عربية كبرى، فيما كانت التهم تلاحقنا مع بساطتنا... ووصل الأمر  إلى منع حصة سجلتها  حول كتابي "المصالحة الجزائرية" على قناة عربية...بعد اتصال قام به أحد العملاء، الذي كان وقتها يشعل لهيب محرقة سوريا العزيزة  ويرتزق  من آهات السوريين.

كيف أدعم الثورة المسلحة في ليبيا أو في غيرها من البلدان العربية الشقيقة والمسلمة، وأنا أدعو إلى المصالحة الحقيقية الشاملة، بعد حلّ النزاعات، لأن المصالحة التي كنت ولا أزال أدعو اليها هي مشروع مجتمع جديد،  ليس في الجزائر فحسب، بل في المغرب الكبير، وفي الوطن العربي...الخ. وكيف وأنا أدعو الى جمهورية جديدة في الجزائر، وقد خصصت لها قسما كاملا في كتابي الأول الذي صدر سنة 2014  وشرحت خيارات التغيير ووضعت الخيار الأول وهو الانتخابات الرئاسية كخيار أمثل...وكتابي الثاني الذي يحمل عنوانها، والمستهزئون والضاحكون  والشامتون  والحاقدون الذين أصبح منهم من يردد مصطلحاتي لايزالون أحياء؟

وهل من المنطق أن يُطعن الأشقاء من خلف، في ليبيا، و مصر، و سوريا، و اليمن...؟ وهم من  وقفوا إلى جانب الشعبي الجزائري أيام  محنته الكبرى...  خلال الاحتلال؟ أليس من الأجدر أن نقف معهم ونصلح بينهم ونعينهم  أو على الأقل نلتزم مبدأ الحياد؟ إنّ الحراك الشعبي السلمي- الحراك العلمي، الثقافي، الفكري، الحضاري ...الاقتصادي، الفلاحي، الرياضي، السياسي،  الصناعي، التجاري...السينمائي...الحراك التطوعي، الحراك التضامني، الجمعوي، حراك اليقظة الجماعية، الحراك الجواري، حراك الاستشراف، حراك التنمية، حراك البيئة، حراك الصحة، حراك الوحدة ...الخ.

الحراك الحواري الذي يفتح ورشات كبرى للنقاش والتشاور، والعمل الجماعي،  بغية اشراك الشعب والنخب المختلفة للنهوض بالوطن على كل الأصعدة ...  هو الحراك الذي نتبناه ونعمل  على تجسيده  في الجمهورية الجديدة التي نحلم بها ، جمهورية الجميع... وليس حراك الأهازيج المليئة  بالصخب  والسخرية والتهكم، والإهانة للقضاة والشرطة والجيش، والإعلام، والأئمة،  حتى وإن أخطأوا...و حراك الفلكلور، والتعرّي، وحراك التفرقة، وتصفية الحسابات، والطعن في الثوابت، وحراك نشر الضغينة والأحقاد  وقمع الآراء المخالفة، وحراك خدمة أجندات أجنبية...الخ.

إنّ الحراك الذي ندعمه ونتبناه، هو الحراك الأصيل الذي لا يتبنى الجحود، ولا يتبنى الاقصاء والتهميش، ولا يتجاوز المجهودات الايجابية التي بذلت  على مرّ السنين لكل فئات المجتمع بمن فيها من كانوا في النظام، حتى ولو كنا معارضين لهم،  ولا يخون قادة الثورة ولا يتجاوز تضحيات الرجال والحرائر التي بذلت للتقليل من محرقة التسعينيات، من دعاة وشخصيات وطنية ورؤساء أحزاب...ولا يتنكر للدماء التي سقيت بها الجزائر من أجل حمايتها و رفعتها. وكيف لعاقل أن يخوّن رجالا  مهّدوا  لهذا الحراك الذي نحياه، من تعليم، وتوعية وبيان، ونشاط، وتوجيه صحيح،  واعلام ، ونشر لثقافة الحوار ... ويصنع من مجاهيل وانتهازيين ووصوليين... أبطالا ومقاومين؟

ليس من المنطق أن يستورد شعبنا الجزائري ثورة مهما كان نوعها، وشعبنا صانع ثورة  التحرير... وكيف نستورد الأفكار ونحن نمتلك خزانا من الأفكار والتصورات ؟ وليس من المنطق أن يستورد شعبنا نظامًا آخر وهو الذي استطاع أن يفرض على أمريكا الجزية يوم أن كان الأسطول البحري يجوب البحر الأبيض المتوسط. ويفرض واقعا على حلف الناتو،  وفرنسا، بوسائل بدائية  وبنادق صيد أيام حرب التحرير. وكيف لمن كانوا بالأمس يحاولون نقل ثورة البوعزيزي الذي أحرق نفسه في تونس، الى الجزائر، أن يحدثونا اليوم عن الوعي وعن الأفكار؟

 تكفينا شجاعة أبطالنا وحرائرنا  عبر مرّ التاريخ، تكفينا دراسة مشايخنا وأساتذتنا ...لنستلهم من سيرهم ونبلهم وبسالتهم...طاقة نستشرف بها المستقبل ونصنع بها الأمجاد. لقد اكتوينا بنار الفتنة، فليس من المنطق ولا من الحكمة  تكرير المأساة، باتباع أناس رؤوسهم مقفلة، أثبت الواقع في عديد من المرات تهورهم، و قصر نظرهم وتناقضهم وتعصبهم...ونشرهم للأحقاد والضغائن، إنهم مشاريع تشبه تلك التي أستعملت كوقود للمحرقة والفتنة التي مرت بها الجزائر ، مع تغير الوسائل والألقاب.

إنّ الحراك الذي نتبناه ونعمل له، هو الذي الذي يتطرق إلى جذور المشكلات في الجزائر التي حدثت قبل ثورة التحرير، وبعدها،  ويجد الدواء الشافي لإنهاء الأزمة واقتلاعها من الجذور، وليس الذي يتحدث عن الأعراض و السطحيات أو يكون أداة لعودة العصابة من أبواب أخرى. كيف يتحدث الناس عن نظام بوتفليقة   ولا يتحدثون  عن تداعيات الاحتلال التي دامت أكثر من قرن ، وكيف يتحدثون عن بوتفليقة ولا يتحدثون عمن جاؤوا به وساندوه، وكيف لا يتحدثون عن الصراعات حول الحكم التي تمتد الى ماقبل الثورة و مهدت لمحرقة التسعينيات؟

نريد حراكا شعبيا واعيا ...حراكا تشارك فيه كل الطاقات في الداخل والخارج  بالأفكار وبالحوار وبالمبادرات الجامعة، وأن يكون هذا الحراك جزائريا وورشة كبرى، وبوتقة تلتقي فيها كل التيارات مهما كانت الاختلافات...  لشحذ الهمم وتجديد العهد مع الشهداء،  وبناء الجزائر الجديدة التي حلموا بها...لاحراكا يقف مع من حطم جدارا أو كسر صندوق انتخاب أو رفع لافتة أو راية... ويغمض عينيه عن أشخاص أكلتهم المعاناة. نورالدين خبابه 09 مارس 2020

إرسال تعليق

[facebook]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget