يأتي هذا المقال في سياق محاولات متجدّدة من الدولة العميقة في الجزائر لاختراق الحَراك الشعبي، عبر صناعة زعامات مزيّفة وتزوير رواية البداية. يحاول الكاتب تفكيك دور رشيد نكاز، وربط تحركاته بسياق صراع الأجنحة داخل النظام، محذّرًا من استغلال عفوية الحَراك لتوجيهه نحو مشروع لا يخدم لا الشعب ولا التغيير الحقيقي.
يُروَّج بعضُ الحمقى لمنشورٍ يدّعي صاحبُه أنه يؤرِّخ لبداية الحَراك… بتواريخ مُضلِّلة، وشهادات زور، وتوجيه مُبطَّن…
والمنشور مُلغَّم ومقصود، بغية إظهار رشيد نكاز على أنه من بدأ الحَراك، لجعله مرجعًا له، ودعوة الناس للالتفاف حوله، لاسيما وأنه يقبع في السجن، ولربما اقتراحه لتمثيل الحَراك للتحكم فيه وتأطيره. ولكن: أيُّ حَراك؟ هل الحَراك المنطوق بالعربية الفصحى «الحَراك» من الحركة والحركية، أم ELHIRAK المشوَّه والمكسور؟
متأكد أن جهات تعمل على نشر صوره في الحَراك لاستعمالها في وسائل الإعلام الدولية، لاسيما يوم الجمعة والسبت القادمين، ولربما في أفلام وتعاليق، كما يفعلون مع مَن يخدم مخططاتهم. وهذه الجهات نفسها كانت تريد أن تجعل من لخضر بورقعة زعيمًا للحَراك.
والقضية ليست جديدة بالنسبة للعارفين بأماكن الخلل، إنما هي مرتبطة بصراعات قديمة تتجدّد بين الحين والحين، مُقنَّعة بواجهات مختلفة. ويكفي فقط أن نذكر باستقدام الدولة العميقة لمحمد بوضياف سنة 1992، وهو المنتمي تاريخيًا لجماعة تيزي وزو ضدّ ما يُسمى بجماعة تلمسان أو وجدة… وكذلك حضور الجنرال تاغيت، أحد أصهار كريم بلقاسم، مع الجنرال خالد نزار في الانقلاب المشؤوم!
مصطلح الحَراك أيها الإخوة: نحن مَن كان يُروّج له، دون فخر ولا رياء، في كتاباتنا وفي مداخلاتنا، بدل مصطلح «الثورة». وذلك عندما كان سعيد سعدي مُكلَّفًا بمهمّة كل سبت، يحاول جرَّ شرائح من الشعب للانتفاض، تزامنًا مع الانتفاضة في تونس، لتمكين جناح توفيق من استعادة المبادرة لتغيير الواجهة. وكنا نعارض آنذاك بوتفليقة معارضة شديدة، كيف لا ونحن عارضناه سنة 1999؟ ولكن في المقابل: كنا يقظين لتلاعب الدولة العميقة وتحركها المباغت في الأوقات الحرجة والمفصلية، واستعمالها للحمقى من الإسلاميين، لاسيما أنها تمتلك مفاتيح الكثير من القطاعات وتُحسن جيّدًا المناورة… إلخ.
وقد حاولوا أن يُحوّلوا المصطلح السِّلمي إلى مصطلح «الثورة» في بداية الحَراك، ولا يزالون… وقد استغربوا من تعميم المصطلح الذي تبنّته شرائح واسعة من الشعب، مع أنه يعود لسنوات قبل بداية الحَراك الشعبي الذي أرادوا تأريخه بيوم 22 فيفري، والذي كان مخترَقًا منذ اليوم الأول من طرف الدولة العميقة؛ إذ حركت أشخاصًا للتوجّه إلى قصر المرادية بغية الاستيلاء عليه، ومن ثم حركت حركة «مواطنة» للقيام في الخارج بمسيرات لتوجيه الرأي العام.
حتى إن كثيرًا منهم لا يستطيع نُطق المصطلح نُطقًا صحيحًا، لأنه بالعربية الفصحى ومشتق من الحركة، بينما هم ينطقونه بالفرنسية HIRAK. وأرادوا تشويه المصطلح السِّلمي الحضاري، بعدما فلت زمام المبادرة من أيديهم، وبدأ الشعب يستعيد أنفاسه من عملية التخدير والتضليل والرعب الذي لازمه لسنوات جرّاء المأساة. وأطلقوا على نفق العاصمة «غار حِراك» تشبيهًا بغار حِراء، لتنفير الناس من المصطلح، واستعملوا مصطلح «الحَرْكَى» أيضًا لتشويه مصطلح «الحَراك». لأن المصطلح حَرَكي بالفتحة، وليس حَرْكي بالسكون، يعود إلى الحركة الوطنية.
ولمَن لا يعرف «نضال» نكاز في الجزائر، نحاول تذكيركم بالآتي: رشيد نقّاز بالعربية أو نكّاز بالفرنسية، ظهر في الجزائر سنة 2013، عشية تحضير الأجواء لعلي بن فليس في الانتخابات الرئاسية التي جرت سنة 2014. وقد بدأت معاناة جناح توفيق تظهر للعلن بعد عودة عبد العزيز بوتفليقة من فرنسا سنة 2013 إثر تعرّضه لإعاقة دائمة…
ويكفي أن نذكر استعمال قناة «المغاربية»، ومحاولة تهيئة الأجواء لاستعمال المادة 88 من الدستور التي عُدِّلت فيما بعد، وبعض رؤساء الأحزاب، ومنهم: نعيمة صالحي، سفيان جيلالي، زبيدة عسول… وكذلك تنحية العقيد فوزي الذي كان يتحكم في المشهد الإعلامي، وعملية تيقنتورين، وتهريب هشام عبود، وبداية تنحية عدد من الجنرالات، وغلق قناة «الأطلس» التي كان يُحرّكها الجنرال جبار مهنى سنة 2013… إلخ.
وبدأ إظهار نكاز سنة 2013 باستعطاف الجزائريين، بالإعلان عن سحب جنسيته من فرنسا، وهي بداية لحملة مسبوقة. وكانوا يروّجون له على أساس أنه «مليونير»، مع أنه لا يملك أي شركة رسمية مُعلَنَة باسمه، ولا عمالًا. وكان لا ينزل من طائرة حتى يركب أخرى في عدد من البلدان، وكأنه مُكلَّف بمهمة، وهناك مَن يسهر على تنظيم رحلاته! هذا الذي ترشّح مرتين في فرنسا، في البلدية وفي الرئاسة، «لخدمة الشعب الفرنسي»، وفشل مرتين… ودخل السجن…
وقد فشل في جمع التوقيعات في الجزائر سنة 2014، ولدينا شهادات موثّقة لأشخاص كانوا يعملون معه وخانهم. ثم شارك سنة 2017 من فرنسا لتسويق أنه «يمثّل الجالية»… هذا المريض بحب الظهور على حساب القضايا. ويكفي الإشارة إلى قضية شارلي إيبدو، وجريدة «الخبر»… إلخ.
واخترع سيناريو آخر بعدما تأكد أنه لا يستطيع الترشّح من الناحية القانونية، ببساطة، لأنه لا يمكن أن يُسجَّل في الجزائر وهو مقيم في فرنسا، والعكس. وقد سجّل أخته في القائمة وأخاه، وفاجأ حتى مَن كانوا معه.
وقد حركوه في قضية عمار سعداني لضرب قايد صالح، لاسيما وأن عمار سعداني كان يتحدث بحماية، قصد إسكات صوت توفيق… ليستمر ذلك في 2019، عندما بدأ يُحرّك بعض الشباب بإيعاز، لتهيئة الأرضية للجنرال غديري أو بن فليس. لأنه يعلم يقينًا أن ملفه من الناحية القانونية سيرفض في المجلس الدستوري، لاسيما وأن رئيس المجلس الدستوري مُعيَّن من جناح بوتفليقة، حتى لو جمع التوقيعات. وخرج مع ابن عمه في مسرحية هزلية أصبحت تتسلى بها الشعوب. ثم انتقل إلى الخارج ليواصل تحريك الشباب ضد قيادة الجيش، بعدما أُجِّلت الانتخابات وأخذ قايد صالح المبادرة.
وكان يُموّه بمهاجمته لزروال الذي حضر مع الجنرال توفيق لتسيير مرحلة. وقد تحدثتُ عن الموضوع في تسجيل منشور يوم 31 مارس 2019. ولما أخفق، بدأ يروّج للراية (الأمازيغية) من مكتب في العاصمة…
فنكاز كان ولا يزال يعمل لجناحٍ مستتر، ومهمته الإثارة والتلاعب بالعواطف، واستغلال الفراغ الروحي للشباب، وإحباطهم وجهلهم بألاعيب الدولة العميقة. ولكن للأسف، وجد مَن يخدمونه ويدافعون عنه بالمجان، ومنهم مَن يزعم أنه ضدّ الدولة العميقة التي كنا أفردناها بموضوع.
إنّ الدولة العميقة لا تزال تراقب الحَراك، وها هم بدأوا في تأريخ مرحلة جديدة لتوجيه عامة الشعب نحو وجهتهم باستعمال الحمقى، بعدما خسروا عددًا من المواقع، واستطاعوا خلق فتنة في برج بوعريريج متخفّين وراء «بقرة بن حمادي»، لسحب المبادرة من أولاد الجبّاس الذين استطاعوا خلط أوراقهم لعدة أشهر، وإعطاءها لجهات أخرى.
وها هم يحاولون دفع الشعب إلى التمرّد من خلال التصعيد، حتى يتحركوا في الوقت المناسب – كما هو دَيدَنهم – لمنع الشعب من التغيير الحقيقي واستعادة المبادرة، لاسيما وأن لهم ضباطًا داخل الجيش والشرطة والإعلام… إلخ. لأن التغيير الحقيقي الذي يعيد السيادة الحقيقية للشعب لا يخدمهم ولا يخدم أسيادهم الذين يُخطّطون لهم.
نورالدين خبابه
16 فيفري 2020

إرسال تعليق