مغالطات حول المرحلة الانتقالية والحراك في الجزائر !

مغالطات حول المرحلة الانتقالية والحراك في الجزائر !


عثرت على كلام  في بعض الصفحات وبعض المداخلات التي أرسلت لي...لجزائريين لا يفقهون شيئا في السياسة، و منهم من  يقدم نظام العراق وليبيا وسلطة بريمر وفلسفة  برنار هنري ليفي  كنماذح للمرحلة الانتقالية،  بغرض تخويف الشعب الجزائري  من الحرب الدائرة هناك. وبطريقة أخرى،  اللعب على دغدغة الذاكرة الجماعية لإحياء صورة المأساة في الجزائر في مخيلة الناس وتذكيرهم بالجراح بشكل آلي، كنت قد أفردته بموضوع منذ سنوات...ويدخل في إطار التلاعب بالذاكرة والحرب النفسية...ولكن يخفي على الناس تأييد هؤلاء للجنرالات في حربهم خلال التسعينيات.

وكأن هؤلاء المتحدثين  لهم دراسات وأبحاث ونظريات... قدموها في معاهد، أو لهم تحليلات تدرّس ويمكن أن نأخذها كمعيار؟ أو لهم رصيد نضالي نزود به طاقتنا ؟ ونسي هؤلاء أن الجزائر لم تحتل من قبل أمريكا، وحراكها لم يصنعه حلف الناتو أو أيده كما حصل في العراق وليبيا ... بل جزائريون وجزائريات أحرار يتظاهرون بسلمية لمدة تسعة أشهر حيرت العالم ويرفضون التدخل الأجنبي في أغلبيتهم  وشعارهم: زيتنا في دقيقنا. وقد انتفضوا بعد أن أصبحت الجزائر مضحكة في العالم ولا داعي للتفاصيل.

وفي نفس الوقت، تجد هؤلاء المتشدقين بالمعرفة والمتفيقهين يتحدثون بأن المرحلة الانتقالية تكون عندما يريد الناس الانتقال من نظام حكم الى آخر...وكأنهم راضون بنظام الحكم  المقعد؟ والصمّ والبكم والعُمي يدركون أنه إلى غاية كتابة هذه الأسطر لم ننتخب رئيسا بعد؟ فهل من المنطق أن شخصا يمتلك عقلا ويريد أن ينظف مكانا من الأوساخ  أن يستعمل مكنسة متسخة؟ وقد اتضح الخيط الأبيض من الأسود؟

كيف يخيفون الناس من مستقبل لم نعشه بعد؟ وكيف وواقعنا موبوء بالمشاكل المختلفة، من الأسرة الى الصحة الى الجامعة الى النقل الى كل المؤسسات بدون استثناء  وكل القطاعات... وهذا ماجعل الناس تتحرك؟ لست أدري إن كان هؤلاء يفرقون بين الواقع والتوقع؟ وبين النقد والاتهام؟ لا عجب لهذا التخبط والتناقض ... فقد استمعت الى شخصيات تُلقّبُ في وسائل إعلام موجهة  بأنها وطنية وتحذر من هاته المرحلة الانتقالية أيضا وفي نفس الوقت تتحدث عن العصابة التي كانت تحكم البلد، وعن النظام البائد الذي هم جزء منه ... الخ.

 وكأن هاته العدالة في الجزائر لم تكن عدالة النظام ؟  والأجهزة الأمنية المختلفة والقوانين والمؤسسات هي ليست المؤسسات التي كانت تخضع لنفس النظام الذي لايزال قائما؟ فهل من المنطق أن نرى مساجين كانوا ضد بوتفليقة فيما المرشحون كانوا كلهم معه؟ وهل من المنطق أن يتغير نظام جثم على صدور الجزائريين ردحا من الزمن بمجرد سجن أشخاص؟

لقد أبتلينا سنوات في الجزائر  بقحط وجوع فكري...  بسبب سياسة التضليل التي كان يمارسها الاعلام وسياسة التصحير السياسي والتجهيل والحط من المعنويات وغرس الاحباط...وليس من السهل أن يقتنع المُروَّضون فكريا والمبرمجون إعلاميا  بممارسة  حقوقهم ... فمن اعتاد على العبودية منذ نعومة أظافره ليس بين عشية وضحاها سيقتنع بنسائم الحرية والاقلاع الحضاري...
ولتلطيف الأجواء أقص عليكم هذا الموقف: رأيت حمارا في مشهد مصوّر ظل يدور حول مطحنة لأكثر من سنة... وعندما أطلقه صاحبه بقي الحمار يدور على نفس الشكل ! فلا غرابة أن نقرأ ونسمع لمثل هكذا مشاهد !

إن الذين يتهمون المؤمنين بالمرحلة الانتقالية في الجزائر بأن أصحابها يريدون التعيين ويرفضون الانتخابات... نقول لهم: من انتخب رئيس الحكومة بدوي وكل الحكومات التي سبقته منذ الاستقلال؟ ومن إنتخب عبد القادر بن صالح؟  بل ومن إنتخب عبد العزيز بوتفليقة ومن قبله؟ أليست قيادة الجيش من أتى بهم وعينهم؟ أليس بن فليس خسر الانتخابات الحرة سنة 1991 في باتنة وبعد أيام عين وزيرا في حكومة الانقلاب التي قادها أحمد غزالي وقادت الجزائر الى ويلات لم نتخلص منها الى اليوم؟ أليس حزب حماس لم يتحصل على أي مقعد في البرلمان ثم تم تعيين عبد القادر بن قرينة المرشح الحالي في المجلس الانتقالي وقتها ؟ ألم يعين عبد القادر بن صالح رئيسا للمجلس الانتقالي وقتها ولازال الى اليوم في الحكم وعلى رأس الدولة رغم  أنف الشعب؟

دعونا من بوتفليقة ومن قبله – من الذي إنتخب كريم يونس  على رأس لجنة ماسمي بالوساطة والحوار بعد خلع بوتفليقة؟ ومن الذي إنتخب  محمد شرفي في لجنة ماسمي بالسلطة الوطنية لمراقبة الانتخابات؟ ومن إنتخب أعضاء هاته اللجنة ونحن نعرف بأن منهم متحزبون بل ومنهم من كان مساندا لبعض المرشحين ؟ هل الشعب الجزائري كان ولايزال يرفض الانتخابات؟ أم يرفض تزوير ارادته لاسيما وأنها زورت عدة مرات وقد ألف هذا النظام وغدره؟

نعم، هناك أقلية ترفض الانتخابات  وتريد التعيين،  ولكن هاته الأقلية هي من تخشى الانتخابات الحرة والشفافة ...جزء منها يزعم المعارضة وجزء في السلطة الحاكمة، وكلاهما لا يريدان أن تكون انتخابات حرة وشفافة وهي التي يبحث عنها الشعب. الجزء الذي في السلطة يريد أن تكون الانتخابات على المقاس والجزء الخارج من السلطة يريد أن يختلق أوضاعا لفرض مرحلة انتقالية على مقاسه بعدما خسر السلطة ويريد العودة لاسترجاع بعض مفاتيحها ونحن منتبهون لذلك.

 ولكن: نحن لسنا مع المرحلة الانتقالية بغية التعيين أو بغية التموقع  والمناصب دون تمثيل حقيقي للشعب، أو الفراغ أو العودة للمآسي...
لماذا تمارسون التضليل والتدليس على الشعب؟ من الذي أشعل حربا في الجزائر  وأنتم تعترفون كل يوم على منابركم أن خالد نزار الهارب والجنرال توفيق الذي يقبع في السجن وغيرهم ... هم من شارك في هاته المأساة؟ من الذي كان يحمي الفساد طيلة حكم بوتفليقة ولمدة 20 سنة؟ أعطوني إسما واحدا من المعارضين الحقيقيين الذين يريدون التغيير الحقيقي في الجزائر له ملف فساد سواء مادي أو أخلاقي؟

 إن الشعب الجزائري سئم من الوعود وسئم من الترقيعات وسئم من حالة التأجيل التي أنتم من يتعمدها وسئم من هذا الركود.. ويريد أن ينهض بالجزائر تلك النهضة التي طال انتظارها. والمرحلة الانتقالية التي يريدها الشعب هي ضرورة لارساء جمهورية جديدة...يجسد فيها العدل والحق والقانون ...جمهورية تسع الجميع...وليست الجمهورية التي يمارس فيها الاستبداد. جمهورية المصالحة وليست جمهورية الأحقاد وتصفية الحسابات.

والمرحلة الانتقالية هي بمثابة الجسر الذي ينقل الجزائر من وضعها الداكن والضبابي  إلى وضع تسطع فيه الشمس وهي التي تمهد للقضاء على دولة العصابات والدولة العميقة في شكلها السلبي، وهي التي تغلق المنافذ.

 فالذي عين كريم يونس لحسابات اتضحت بعد ترسيم المرشحين كان يمكنه لو أراد إنهاء الأزمة وإنهاء العصابة  ومحاربة الفساد أن يستمع الى نبض الشعب ويختار شخصيات  مقبولة شعبيا. إن المرحلة الانتقالية: هي مدة زمنية مدروسة تأتي ثمرة حوار جدّي  تحضر الى انتخابات حقيقية تفرز رئيسا يتمتع بإرادة شعبية مريحة كما هو الشأن في تركيا أو في ماليزيا ... تمكنه من أن يحدث تغييرات جوهرية، وفق مشروع مجتمع متوافق عليه...وتسمح له بأن يكون قائدا فعليا للجيش.

وليست الانتخابات التي تريدونها وأنتم في الحقيقة تريدون رئيسا منقوص الشرعية وله ملفات ابتزاز ... حتى تمنوا عليه بالقوة التي تمتلكونها وتحاصرونه بها حتى يصبح رهينة كما كان من قبله....تستبدلونه متى شئتم.

نورالدين خبابه 26 نوفمبر 2019

إرسال تعليق

[facebook]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget