في هذا المقال يبتكر الكاتب مصطلح «الديمضراطية» لوصف النسخة المزيفة من الديمقراطية التي تُصدَّر إلى الجزائر والعالم العربي: شعارات عن الحرية وحقوق الإنسان من جهة، وممارسات إقصاء واستبداد وضرب لهوية الأغلبية من جهة أخرى. من خلال مقارنة بين الديمقراطية كما تُمارَس في بلدانها الأصلية وبين «الديمضراطية» المفروضة علينا، يكشف النص تناقضات خطاب النخب الفرنكوفونية والمتأمركة، واستغلالها الحَراك الشعبي ومفاهيم الحداثة لتفكيك المجتمع بدل تحريره.
الديمضراطية: مصطلح جديد، ونسخة رديئة سوداء تقترب من الاحتراق، استُنسِخت من الديمقراطية إلى درجة لم يعد يظهر قافُها، فاستُبدِل بحرف الضاد، وأعطى هذا المفهوم السلبيَّ للديمقراطية. وها أنتم تشمئزون من المصطلح الجديد، فكيف إذا تغيَّر محتوى الديمقراطية كلِّه يا ترى؟
الديمقراطية الحقيقية التي قرأنا عنها في الكتب والمجلّات... ونعيش في بلدانٍ يحتكم فيها مواطنوها فيما بينهم إلى نظامها الذي صنعوه بأيديهم، وقطعوا أشواطًا في التقدّم على أصعدة مختلفة، وتكنولوجيا وصلت إلى درجة تُبنى فيها الجسور داخل البحار، وتُستخدم الطائرة في الحروب دون طيار، ويسير المترو في الأنفاق بلوحة التحكّم...
يعرفونها بأنها تعني حكم الأغلبية، وتعني التداول السلمي على السلطة بطرق سلمية، وتعني احترام الرأي وفق الاحترام المتبادل، وحرية التعبير... وتعني التنافس وتكافؤ الفرص، وتعني التشارك، وتعني التنوع والاختلاف، وتعني الشفافية، وتعني التعدّدية... وتعني الإقناع، وتعني احترام حقوق الإنسان، وتعني القَبول بالنتائج المستحقّة... إلى غير ذلك من الأوصاف والصفات والمصطلحات التي يطلقونها على الديمقراطية التي يطبّقونها... طبعًا فيما بينهم.
أما الديموضراطية التي تُصدَّر لنا في بلداننا بنسخة محروقة عبر المستلَبين فكريًّا وثقافيًّا، فهي مصطلح وجب شرحه.
إنها تُناقِض الديمقراطية التي تحدّثنا عنها منذ حين، بسبب الحرف الذي أُدخِل عليها ويحمل الرائحة الكريهة والصوت المُقزِّز، وتعني في الواقع الطعن أوّلًا في الديمقراطية نفسها وتشويهها، وتعني الطعن في المقدسات والعقائد، والكفر بحكم الأغلبية في الأوطان التي فيها غالبية مسلمة. وإذا كان أصحابها يدَّعون القيم الأخلاقية والمحافظة، فيُنكَلَب عليهم في وضح النهار وتحت أنوار الشمس الساطعة، وتُلفَّق التهم لأصحاب الأغلبية وتُعلَّب، ومنهم من يُسجَن ويُعذَّب أو يُنفى أو يُعدَم، وفي أحسن الحالات يُقاطَع ويُحاصَر ويُتجاهَل... إلخ.
وتعني عدم القَبول بالنتائج والتسليم بها، والكفر بالصندوق الزجاجي الشفّاف وتكسيره، إذا أفرز نتائج لا يريدها أصحاب الديموضراطية، فتُختلَق الأحاجي، وتُؤلَّف القصص والروايات والمسرحيات، وتُكتَب السيناريوهات وتُعرَض الأفلام والمسلسلات... كل هذا باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحفاظ على الأقليات والعرقيات، لمنع الأغلبية من ممارسة حقها في تسيير شؤون البلاد، بالابتزاز والترهيب النفسي، عكس الديمقراطية التي تعني: رأي الأغلبية هو الذي يَحكم.
فالديموضراطية إذًا هي سلوك منافقين استخدموا اسم الديمقراطية كقناع يلبسونه للتمويه ولتغليط الرأي العام، ويُخفون تحته استبدادهم وخبثهم وإقصاءهم وتهميشهم لطاقات مختلفة، وعدم اعترافهم بالأغلبية، بحقد وعداء للأصالة والحشمة... وعدوّهم اللدود هو العربية والإسلام. والعربية التي يعادونها ليست لغة الغراميات والنحيب، بل اللغة التي تنشر الوعي والفطنة، واللغة التي تريد أن يكون لها مكانة في التعامل في الاقتصاد والعلوم والبحار والفضاء... والإسلام الذي يعادونه ليس إسلام الدروشة، فذاك يساعدونه.
طبعًا نحن لا نتحدّث عن الأعراب الأشدّ كفرًا ونفاقًا، لأنهم مستعمَلون لخدمة أسيادهم بطريقة أو بأخرى، إنما نعني بكل وضوح فئة من الناس يحاولون ضرب هوية الشعب الذي دفع أثمانًا باهظة من أجل السيادة الوطنية، مستخدِمين عنوان الديمقراطية، عبر الحَراك الشعبي، من خلال اختراق الأسرة ووسائل الإعلام، ولا يتركون أي فرصة للتجمّع، فيحاولون تفريق المجتمع بكل الوسائل...
فيقمَعون الحرية ويتظاهرون بالدفاع عنها، وقد رأيناهم في مناسبات مختلفة كيف يمنعون أشخاصًا من التحدّث، وكيف يقومون بالتشويه، وكيف يحاولون فرض مشروعهم بعيدًا عن الإرادة الشعبية.
هدفهم كان ولا يزال: إضعاف الدولة وتحطيم معنويات الأغلبية الشعبية بنشر الإحباط، مستعمِلين خطاب الكراهية والإقصاء وسياسة "فرِّق تسُد"، وتهيئة الأوضاع لأسيادهم للعودة من أبواب أخرى أو لتقسيم البلد إلى دويلات. وفي الوقت نفسه يلعبون دور الضحية ودور المدافع عن حقوق الإنسان والمرأة والطفل والحيوان، بانتقاء حالاتٍ فيجعلون من الحبّة قُبّة، ويتجاهلون حالاتٍ يئنّ أصحابها منذ عقود.
لا علاقة لهم بالديمقراطية، وهذا ما أكدته الوقائع والأحداث والمناسبات المختلفة؛ فهم إذًا ديموضراطيون، يتشدّقون بالديمقراطية، ولكنها "ضراط" مليء برائحة كريهة، يحسبها الجاهل صواريخ باليستية.
نورالدين خبابه
20 جويلية 2020

إرسال تعليق