هكذا كنا نحيي المولد النبوي الشريف في قريتنا خلال السبعينيات والثمانينيات!

 

هكذا كنا نحيي المولد النبوي الشريف في قريتنا خلال السبعينيات والثمانينيات!

يُطلّ علينا يوم المولد كالبدر في الليلة الظلماء.

يحلّ في قريتنا كضيف اشتقنا لرؤيته وأتى ليزورنا زيارة خاطفة ،يحمل معه البشارات. نحضر أنفسنا للقائه ولا نفوت الفرصة.  يحمل معه طابعا خاصا وطعما لم أتذوق حلاوته في حياتي، ورائحة فقدت شمّها خارج القرية.

 لست أدري مالذي تغير- الزمن أم الأشخاص؟ السماء أم الأرض أم العقليات والسلوكات؟ أم فقدنا نكهته لأننا فقدنا كثيرا من الأحبة أم بسبب الفلفسات؟

 كان عيدا  نتشوق أيما تشويق لاستقباله ونسعد أيما سعادة لإحيائه...فله رائحة وله سرّ وله جوّ وطقس يختلف عما سواه قبل أن تدب سوسة السياسة وتنخر المجتمع وتلوث العقول. 

أقول كان لأن الحاضر يختلف عن الماضي كما ترون.

كان يومًا مُميزا لاسيما وقد رافقنا جيل الثورة من المجاهدين وأبناء الشهداء  الأصلاء.  بركة الصدق والإخلاص والشهامة والكرم والايثار والعفاف والطهارة والقناعة... لم تتراجع بعد... وجيل من المشايخ والحرائر والمعلمين والمعلمات يرسمون ذلك الجو البهيج بتواضعهم وحيائهم.

نستقبله ونحن أطفالا  بنظافة الأبدان وقبلها نظافة الأذهان، نقوم بتنظيف مسجد  القرية الذي كان يضم كل أبنائها قبل أن يتوزعوا على عديد المساجد،  بل ويأتي إليه إخوة من قرى مجاورة... فيجتهدون بالتسبيح والتهليل والتكبير بغية الحصول على الثواب.

تشرع النسوة صباحا في البيوت  والحارات بتنظيف المحيط، ثم نخرج  زرابي المسجد  لنفضها وغسل الجدران ونتطوع لملء خزان المياه الذي كان يعلو  مدخله  فنتنافس في ذلك على الدواب... ونعطر داخله  ونحضر أحلى الشموع والعطور...فرحا بميلاد خير البشرية وأعيننا تتوجه الى السماء ببراءة وفطرة لم تنبش بعد تنظر وتتدبر في خلق الله وتتضرّع له بالدعاء.

صوت عبد الباسط عبد الصمد يخترق أجواء سماء القرية وتكاد تسمع ذبذباته من قرى مجاورة، تليه البردة...

التطوع يصنع السعادة  الجماعية التي لا يمكن أن تراها في أماكن أخرى، والتضامن والتآخي بادي في تلك الوجوه التي لم تتعود بعد على الحقد والكراهية.

في المنزل تحضر الوالدة رحمها الله  أشهى الأطعمة على بساطتها وعلى  رأسها طبق البربوشة (الكسكس)  بلحم الغنم مع فواكه الموسم من عنب أو بطيخ...بالإضافة الى الزعتر أو الشاي...مع رائحة الطيب التي تستقبلك عند الباب.

تسمع مساء في عدد من البيوت صفارة قدر الضغط وتحضير النسوة للحناء.

 يبدأ التحضير والتوافد الى المسجد بدءً  من صلاة العصر  حيث يتجمع الأطفال في مجموعات لحفظ بعض الأناشيد وترديدها...

 بعد صلاة العِشاء نستمع  لنسب وسيرة النبي محمد صلى االله عليه وسلم التي كان يرويها لنا إمام القرية سيدي الطاهر رحمه الله  تتخللها بعض التسابيح... ومنها : "عطر اللهم قبره الكريم بعرف شذي من صلاة وتسليم..." يرددها من بعده جمع من مشايخ القرية التي تحفهم البرانيس والعمائم البيضاء وخلفهم الكهول فالشباب.

ننشد طلع البدر علينا بعد الإجابة على أسئلة  فتوزيع بعض الكتب كهدايا للأطفال  لتشجيعهم على المطالعة والبحث ...ثم نفترق على الشموع وكل منا يذهب الى عنوانه.

نورالدين خبابه 06 أكتوبر 2022 عشية ذكرى المولد.

Libellés :

إرسال تعليق

[facebook]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget