الحراك الشعبي المخطوف في الجزائر !

الحراك  الشعبي المخطوف في الجزائر! 
لم يكن أحد من المتسلطين على رقاب الشعب في الجزائر يفقه مصطلح الحراك لغويا قبل أن يباغتهم ! وكيف يعرفونه وهم جاثمون على إرادة الشعب منذ زمن بعيد وقد فوتوا عليه فرص النهضة، يخافون كل فكرة أو تنظيم يحظى بدعم شعبي، ويقفزون على كل مشروع فيحتوونه إما أن يستغلونه أو يحرفون مساره أو يفجرونه، وقد جاء الحراك السلمي ليقتلع جذور نظام عصابة عاثت في الأرض فسادا  فعطلت البلد باختصار لولا الخيانة والغدر الذي وقع وتم إجهاض الحراك إلى حين.
في البداية كان الهدف من الترويج لمصطلح الحراك بدل الثورة أو الانتفاضة مراعاة للمرحلة الحرجة التي كانت تمر بها الجزائر خاصة وأن أي انزلاق أو عثرة قد يؤدي الى تصفية الحسابات وإلى حمامات من الدم لاسيما وأن أزمة التسعينيات لم تعالج معالجة كاملة ودائمة والدليل في الحراك، كما أن الأغلبية  الشعبية كانت متوجسة  من عملية التغيير.
 لقد تحول هذا الأخير  إلى بعبع  تخوف به الدولة العميقة  الشعب فتبتز من تبتز وتشيطن كل حركة سلمية تسعى للتغيير لاسيما  والجزائر مرت بفتنة عمياء  ودفعت شرائح من الشعب  كلفة غالية... والأغلبية من المقتنعين بالمسعى لم تكن مستعدة للانخراط في أي انتفاضة شعبية  غير مؤطرة.
حاولت بعض الحزيبات المُسيرة عن بعد في مسيرات بالعاصمة بعد هروب بن علي في تونس ومعها فئات يتم تجنيدها كل مرة لاحتلال الشارع  منعا للتغيير الحقيقي ومحاولة إبعاد بوتفليقة من الحكم ،   لكنهم فشلوا في تجنيد الأغلبية، وكيف تسير الأغلبية معهم وهي تعلن رفضها لهم في عديد المناسبات لاسيما وأن منهم من هو متورط في المأساة ووالغ في الدماء؟
 كانت محاولاتهم البائسة اليائسة مقدمة  لإبعاد سادتهم من مراكز القرار  بعد تمرير الانتخابات  التشريعية سنة 2012 والرئاسية سنة 2014، وكان هدفهم هو الاستيلاء على السلطة التي بدأت تفلت من أيديهم  خاصة وأنهم لا يؤمنون بالانتخابات ووسيلتهم هي الدسائس والمؤامرات والانقلابات والقتل والابتزاز.
أصبح مصطلح التغيير للأسف مرادفا للفتنة والخراب عند فئات من الشعب نظرا لما حدث في ليبيا وسوريا واليمن والعراق وأفغانستان...   ويوحي بعودة جزائر التسعينيات، نتيجة للحرب النفسية المستعملة والحشو والتدليس عبر وسائل الاعلام الرسمية بل وعلى مواقع التواصل من خلال الصفحات الممونة ...
كان المؤمنون بالتغيير الحقيقي ينتظرون الفرصة السانحة لكنهم للأسف تفرقوا في الوقت الحاسم  بسبب الزعامات والتسابق نحو السلطة.
بدأ الحشد الشعبي مثل أمواج الطوفان المتراكمة القادمة من بعيد  نظرا لكثرة الفساد الذي استشرى بشكل رهيب في مؤسسات الدولة.  وتخبط السلطات في المواقف وصدور القرارات العشوائية  والارتجال في التسيير الى درجة أن أصبحت الغالبية تطرح السؤال: من يحكم الجزائر وإلى أين نحن  متجهون؟
كانت القطرة التي أفاضت الكأس هي  عجز بوتفليقة بعد الصدمة التي أقعدته...و أصبحت الجزائر من خلال الصورة المسوقة  وكأنها سينما على الهواء ومسخرة يتسلى بها الأعداء ... فأسماء الضباط والمصالح وصور الثكنات ورتب الضباط أصبحت على المكشوف.
 ووصل التحدي ضد إرادة الشعب إلى تقديم  بوتفليقة  للترشح وهو قعيد على كرسي لعهدة خامسة وكأن الجزائر المعطاءة عقمت؟
أطلت فضيحة القاعة البيضاوية التي قدمته في إطار خشبي و أصبح المواطن يشعر بالعار والتقزز والهوان ويصرخ: هل هذه الجزائر التي حلم بها الشهداء وهذه التي أردناها؟ يا إلهي !
 و تجمعت المعطيات لرفض العهدة الخامسة اللهم الا المنتفعون... وحصل الاجماع  ضدّها  ومع أن الحراك كان نتيجة طبيعية لتراكمات  وممارسات سلبية قادت الشعب للنزول الى الشارع ، الا أن جزءً من الحراك كان مسيرا ومفتعلا  من طرف جهات أمنية  تريد استخدام  الحراك كمطية لاستبدال واجهة النظام ناهيك عن اختراق الحراك في المهجر ومربعات كانت تسيرها أجهزة أمنية...
 استخدمت الأدلجة  في مربعات قصد التحكم في مسار الحراك   بإثارة صراعات قديمة  تعود الى ما قبل  ثورة التحرير  والتي لا تخفى على الحذق...متوازية مع منع تأطير الحراك بشكل منتظم  يجبر النظام على تنازلات أو إلي مفاوضات  ويقوم أصحاب هذه المربعات بالتشويش على كل مبادرة تهدف إلى إجماع وطني يحقق التغيير وفق توافق يسعد فيه الجميع بل وصل بهم الأمر للتعدي على الناس قصد تنفير الجميع.
انّ استمرار الحراك بسلمية لمدة طويلة لم يكن ثقافة تربى عنها المجتمع  لاسيما وأن التجربة جديدة ..بل وقعت احتكاكات وصدامات في بداية الحراك  ووفيات  الاّ أن قيادة الجيش ممثلة في قايد صالح مع سيره  منذ البداية باتجاه العهدة الخامسة وعزمه أن تجرى الانتخابات في موعدها ووصف الحراكيين بالمغرر بهم  الا أنه غير رأيه بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرض لها .
 اقتنع محيط بوتفليقة بأن بنيان الحكم بدأ في التصدع ، فانحاز قايد صالح  الى الشعب مرحليا مستخدما  زخم الحراك وعازفا على المادة 102 من الدستور  وفرض بالقوة  خلع بوتفليقة وأدخل طائفة من المحيطين بأخيه السعيد الى السجن كما أنه تعهد أن لا تسيل قطرة دم  واحدة مادام هو في الحكم  وكان ذلك دعامة لمواصلة الحراك بطريقة سلمية واستحسانا. وتنفس المتخوفون الصعداء.
غير أن الانقلاب على إرادة الشعب حصلت بعد فرض الانتخابات بالقوة دون مراعاة للمبادرات التي تم طرحها من طرف شخصيات وطنية ولقيت صدى داخل الحراك .
تم ترشيح مجموعة تنتم لنفس النظام مع اختلافها في الطرح  وغرور بعض المتقدمين للصفوف الأمامية  من الذين لم تكن لهم أي تجربة ماعدا الصراخ وترديد أهازيج لامعنى لها والتفاخر في المواقع بعدد المشاهدات والاعجاب،  ناهيك عن عقلية التخوين والتعميم التي سادت ورفع شعارات لم تلق إجماعا...إضافة الى عملية الشيطنة وتفريخ الاتهامات المعلبة لكل معارض  والاغراق الذي تعرض له الحراك بعدد الأسماء المصطنعة.
 انّ وفاة قايد صالح مباشرة بعد تمرير الانتخابات التي طرحت عدة تساؤلات ولاتزال، وضباط آخرين لحقوا به قيل أنهم أصيبوا بفيروس كورونا...ثم اخراج عدد من الضباط  الذين أدخلهم السجن وإدخال آخرين كانوا يؤيدونه... أفرغ الحراك من زخمه تدريجيا وأعطى الفرصة لبعض المرائين والانتهازيين الذين جعلوا من الحراك مصدرا لرزقهم... وضد الغالبية صدمة ليس من السهل تجاوزها.
وحصر الحراك في فئة  كان مقدمة لاحتوائه ثم إلصاقه بحركة رشاد والماك وتفجيره.  وها نحن بعد 4 سنوات من الحراك لم يتغير شيء في الجزائر سياسيا بل أختطف الحراك من أصحابه الحقيقيين كما اختطفت من قبل ثورة التحرير  وضاعت فرصة التغيير  وأصبحت فئات من الشعب تحن الى أيام بوتفليقة  لما رأوه من حيف ومن غلاء فاحش وعيشة ضنكة ومنهم من أصبح يفكر في الرحيل تاركا الجزائر الى شذاذ الآفاق فيما بقي بائعو الأوهام مستمرين في شذوذهم الفكري وغيهم...ونعت الشعب بعدة ألقاب مستخدمين نفس المصطلحات التي يستخدمها أعداء الشعب. 
 لقد توفي من توفي ومرض من مرض وهرب من هرب وسجن من سجن وبقي مئات الآلاف عالقين في المهجر ووصل الانتهازيون الى  المؤسسات المختلفة على ظهر الحراك.
نورالدين خبابه 03 مارس 2023

إرسال تعليق

[facebook]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget