لويزة حنون وبائعي القرنون في الجزائر !

مقال رأي شخصي حاد يستعيد لحظة خروج لويزة حنون من السجن، ليقارن بين وفاء مناضليها وغدر «أشباه الرجال» الذين عرفهم الكاتب في مساره السياسي.

كتب هذا المقال في لحظة خروج لويزة حنون من سجن البليدة العسكري، ليفتح مقارنة قاسية بين وفاء مناضليها وثباتهم، وبين من يصفهم الكاتب بـ«أشباه الرجال» الذين عرفهم في مساره السياسي. عبر تجربة شخصية مع المعارضة والنضال والمنفى، يتحوّل النص إلى وقفة مراجعة لثقافة الغدر والانتهازية في الساحة الجزائرية.
تملكني شعور رهيب قبل أن أخطّ هذه الكلمات، وقبل أن تخرج لويزة حنون من سجن البليدة العسكري بساعات، وشعرت بغيظ كبير يكاد يخنقني…

وازدادت حدّة الغيظ بعد خروج لويزة حنون من السجن وأنا أراها محاطة بمناضلي حزبها في مكتبها، تحمل هاتفها وتبتسم ابتسامة عريضة يمينًا وشمالًا، وتتواصل مع زهرة ظريف التي ساندتها في محنتها، ومع من وقفوا معها.

تساءلت مع نفسي: أين الرجال من حولي؟ أم ينتظرون حتى أعود إلى الجزائر بعد هذه السنوات، وأحضر لهم «زردة» كبيرة يأتون يأكلون فيها المشوي ويشربون ويرقصون، ويسهرون حتى الصباح، ويتحدثون في علم الذرّة والصعود إلى المريخ، في صالون مغلق، وأنا من يدفع المصاريف ويقوم بتنقية فضلاتهم؟!

وانهالت عليّ الأسئلة: أين أحمد طالب الإبراهيمي الذي ساندته سنة 1999، وكنتَ – يا هذا – تتنقّل من أجله وسط الثلوج والأمطار وتعرّض نفسك للمتابعات والمضايقات، وها أنت قد قضيت ربع حياتك لاجئًا في أوطان الناس؟ أين محند أوسعيد بلعيد الذي ناضلتَ معه أيام تأسيس حركة الوفاء والعدل، عندما شبّهكم يزيد زرهوني بالنازيين الجدد، وها هو يؤسّس حزبًا جديدًا، ويصل إلى الوزارة مع سلال، ثم يصبح ناطقًا رسميًا للرئاسة في عهد عبد المجيد تبون؟

أين بعض الذين وقفتَ معهم وتنقّلتَ من أجلهم بالطائرة لآلاف الكيلومترات، يوم كنتَ تفرّط في صحتك وفي أهلك اعتقادًا منك أنك تنقذ أنفسًا بشرية؟!

وبدأت الصدمات تتوالى كأنها أجراس تقرع أذنيّ، وعيناي تكادان تخرجان من الضغط: هل أدركتَ اليوم أن لويزة حنون معها رجال لا يتخفّون بالوطنية الزائفة والدين المغشوش؟ رجال لم يفرّطوا فيها ولا في مشروعها، بل أقاموا الدنيا لأجلها، ليس في الجزائر فقط بل في الخارج أيضًا.

هل أدركتَ أن الذين كانوا يحدّثونك عن الصدق والوفاء والإخلاص والتضحية والعلم… وكنتَ تقضي معهم أيامًا من عمرك، معتقدًا أنك مع أحفاد بن مهيدي، ما هم في النهاية إلا مجرد «عتاريس»؟ حاشا العتاريس، فهي على الأقل تصلح للأكل في بعض الموائد!

شعرتُ بأن الهواء قد توقّف، وعمّ الظلام، وتحولت الغرفة إلى زنزانة، وأحسستُ بصداع في الرأس. ثم سألتُ نفسي:

هل هؤلاء يحتاجون مني كل هذا الوقت الذي ضيّعته معهم؟ هل كنتُ محتاجًا إلى كل هذه التبريرات؟

سطع ضوء في الغرفة، وانبعث صوت يناديني: عليك – يا فلان – أن تبحث عن نساء مناضلات من مثيلات لويزة حنون إذا أردتَ للمشروع أن يتجسّد، ودعك من أشباه الرجال الذين يتفاخرون بالشهادات والتاريخ، ويتظاهرون بالتقوى والورع، فهم مجرد بائعي أوهام.

أفقتُ من غفوتي وبينما أنا أتصفّح الفيسبوك، فإذا بصورة أحد الذين كنت أقضي أوقاتًا معهم تواجهني؛ وقد التحق بحزب كنتُ أعتقد أنه من طينة الكبار، فإذا بي أكتشف ثعلبًا غدّارًا… وآخر يستعمل بعض اتصالاتي ليصنع منها اسمًا… وآخر يتفاخر بمنصب أخذه بسرقة مجهودات غيره… وآخر يبرّر للناس علاقته بجهاز المخابرات، فيما كان يتهم لويزة حنون بأنها عميلة للجنرال توفيق… وذاك البيدق ينشر تقارير تأتيه فيضع عليها اسمه لمخادعة السُّذّج والدهماء لتضليل الرأي العام…

فأدركتُ أن لويزة حنون، مهما قيل فيها ومهما حُكم عليها، وبغضّ النظر عن توجّهاتها وخلفياتها وأهدافها… فهي «أرجل» من بائعي القرنون!

نورالدين خبابه  
10 فيفري 2020

إرسال تعليق

[facebook]

أرسل رسالة نصية

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget