عودة عبد المجيد تبون من ألمانيا: هل سيعود الشعب الجزائري إلى الحَراك؟

مقال يحلل عودة عبد المجيد تبون من ألمانيا على وقع تجميد الحَراك الشعبي، ويستعرض صراعات الدولة العميقة بعد وفاة قايد صالح وعودة خالد نزار، ويتساءل: هل

يأتي هذا المقال في سياق عودة عبد المجيد تبون من ألمانيا، بعد مرحلة غامضة في هرم السلطة وتجميد الحَراك بسبب كورونا، لطرح سؤال جوهري: من يتحكّم فعليًا في مصير الجزائر؟
خرج ملايين الجزائريين والجزائريات في حَراك سلمي يوم 22 فبراير 2019، يطالبون بحقوقهم المشروعة، بعدما أصبح كثير منهم يشعر بالغربة داخل وطنه، ويرى بأم عينيه كيف تُسرَق خيرات الجزائر وتُبذَّر. ولو أن التاريخ المحدَّد لا يزال يطرح علامات استفهام، لاسيما ونحن بعد عامين من انطلاقه لم يحقّق الشعب الجزائري الأهداف التي خرج من أجلها.

وبدأ الضباب ينقشع منذ الإعلان عن وفاة قائد الأركان قايد صالح مباشرة بعد الانتخابات التي قُرِّرت يوم 12 ديسمبر 2019، دون رضى الحَراك الشعبي. ولحق به ذراعه الأيمن الجنرال حسن علا يمية وكذا الجنرال صواب، وتمت تنحية الجنرال بوسيس المكلَّف بما كان يُجرى في أروقة المحكمة العسكرية من سجن بعض الجنرالات، ومنهم طرطاق وتوفيق على وجه التحديد، وكذا إدانة وزير الدفاع خالد نزار.

عند اتساع رقعة الحَراك، بدأ سقف المطالب يرتفع، ولم يعد مقتصرًا على حاشية سعيد بوتفليقة وأويحيى وحداد، كما كانت تنوي بعض الجهات حصره فيها، بل أصبح المطلب رحيل النظام بأسره. وبدأ المكلَّفون بمهمّة تهييج الشارع يختفون عن الأنظار ويعودون إلى الصفوف الخلفية، لاسيما بعد أن حققوا بعض أهدافهم.

كانت تطلعات الشعب نحو آفاق جديدة آخذة في الاتساع وبشكل تصاعدي، والأغلبية أصبحت مؤمنة بجزائر جديدة تسع الجميع، ولو أن أساليب التعبير والشعارات مختلفة.

إلا أن جهات في الدولة العميقة، من خلال شبكتها العنكبوتية في الداخل كما في الخارج، كانت تدفع إلى تعفين الأوضاع من خلال عامل تقسيم الحَراك، وعملية الابتزاز التي ظهرت ملامحها في مواقع التواصل بعد التسريبات والتهديدات التي مست ضباطًا ومسؤولين كبارًا، حتى تتمسّك مجددًا بمقاليد السلطة، لاسيما وأنها بدأت تخسر بعض المواقع من خلال تمرد قائد الأركان أحمد قايد صالح.

بدأ قايد صالح بمغازلة الحَراك حتى يعطي مسحة شعبية لقراراته، ووجد تجاوبًا كبيرًا داخل الحَراك في الأسابيع الأولى منه، باستخدام المادتين 7 و8 من الدستور الذي عُدِّل سنة 2016. وهكذا استطاع أن يتغطّى بالشارع ليفرض الأمر الواقع على خصومه الذين حاولوا الإطاحة به، وأُعلن خلع بوتفليقة يوم 2 أبريل 2019.

بدأ الحديث عن المرحلة الانتقالية كأمرٍ واقع، وبما أن المقصود كان هو التأسيس لجمهورية جديدة، فإنها كانت ستؤدي ليس فقط إلى فقدان سيطرة حاشية الرئيس المخلوع، بل ستعصف برؤوس الدولة العميقة وتَسحب المبادرة منها، وتعود السلطة تدريجيًا إلى الشعب.

وبدأ أبواقها ودجاجلة السياسة معها في عملية شيطنة خيار المرحلة الانتقالية والحَراك، والدفع إلى انتخابات مغلقة معروفة النتائج. وقد اتضح ذلك منذ الوهلة الأولى بتعيين شخصياتٍ للإشراف على "حوار موجَّه" وانتخاباتٍ محسومة، بفرض قائمة مديرها واحد.

بعد تأجيل موعد الانتخابات مرتين، فرض قايد صالح موعد انتخابات 12 ديسمبر 2019 على الجميع بالقوة.

لم تنتخب غالبية الشعب الجزائري الرئيس عبد المجيد تبون يوم 12 ديسمبر 2019، بل قاطعت الأغلبية الانتخابات الرئاسية، كما تؤكد الأرقام الرسمية، إيمانًا منها بأن النظام يجدّد نفسه من خلال واجهات جديدة.

أُعلنت وفاة أحمد قايد صالح بعد تمرير الانتخابات بأيام، في ظروف جدّ غامضة، وتم تجميد الحَراك بسبب وباء كورونا بعدها في شهر مارس سنة 2020. واستغلت الدولة العميقة غياب الحَراك الشعبي وشرعت في استعادة ما ضاع منها.

نُقل عبد المجيد تبون إلى ألمانيا للعلاج في شهر أكتوبر 2020 بعد إصابته التي فاجأت الكثيرين. وفي هذه الفترة عاد الجنرال خالد نزار من إسبانيا دون الإعلان عن عودته، مع أنه كان محكومًا عليه بالسجن، وقد توعّد في تسجيل مصوَّر ومنشور على الإنترنت خصمه قايد صالح. وأُعيدت محاكمة بعض الجنرالات، ومنهم الجنرال توفيق، وتمت تبرئة ما أطلق عليه قايد صالح "العصابة" من تهمة المؤامرة.

طرحت خرجة تبون على موقع تويتر العديد من التساؤلات، لاسيما وأنه عند عودته في طائرة لم يصرّح بتاريخ العودة، وظهر مباشرة في تسجيل على القناة الرسمية.

لقد عاد عبر مطار بوفاريك العسكري، وليس عبر مطار هواري بومدين المدني. ومخافة أن يعيدوا للأذهان صورة بوتفليقة وهو على كرسي متحرك، اكتفوا بإظهاره جالسًا على أريكة. غير أن جلوسه وظهور جبيرة على رجله طرح علامات استفهام، لاسيما وأنهم أذاعوا بأن إصابته كانت بسبب فيروس كورونا.

عاد تبون إلى ألمانيا مرة أخرى لإجراء عملية على رجله، كما أذاعت صحيفة "الخبر" في شهر جانفي 2021، وها هو بعد شهر من إجراء تلك العملية الجراحية، لم يعد ماشيًا على قدميه، ولا عاد عبر مطار هواري بومدين. وبدا في تسجيل بتاريخ 12 فبراير 2021 بثّه التلفزيون الرسمي، بأنه لا يزال عاجزًا عن المشي، بل عن الوقوف لمدة ساعة.

إن الوضع الذي تمرّ به الجزائر، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الأمنية، وحجم الأزمة مختلفة الجوانب، والتراكمات السلبية المرتبطة بالمأساة وتداعيات احتلالٍ دام أكثر من قرن، والحلول المؤجَّلة وغير الناجعة، والمؤامرات التي تستهدف الجزائر، كلّ ذلك يتطلّب قرارات تاريخية تعيد الثقة المهزوزة لدى الشعب.

فهل يا ترى سيُقدِم فريق عبد المجيد تبون، بعد عودته من ألمانيا، على تهدئة الأوضاع؟ أم سيعود الشعب إلى الشارع لاستعادة سلطته؟

نورالدين خبابه
13 فيفري 2021
Libellés :

إرسال تعليق

[facebook]

أرسل رسالة نصية

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget