مفارقات داخل الحَراك في الجزائر بمناسبة ذكرى عيد النصر 19 مارس 1962

مقال يتوقف عند مفارقات الحَراك في الجزائر بمناسبة عيد النصر 19 مارس 1962، بين شعارات الاستقلال وواقع السلطة والذاكرة الجريحة والعلاقة المعقّدة مع فرنس

يأتي هذا المقال في سياق استحضار ذكرى عيد النصر 19 مارس 1962، لكن من زاوية مختلفة؛ زاوية المفارقات المؤلمة التي يعيشها الجزائري اليوم، وهو يرى شعارات الاستقلال تُرفع من جديد داخل الحَراك، في حين يشعر كثيرون بأنّ السيادة سُرقت، وأنّ الواقع لا ينسجم مع تضحيات جيل الثورة.
كم هو مؤلم أن تقرأ أو تسمع أو تشاهد شعارًا يرفعه جزائريون ينادون بالاستقلال، في ذكرى عيد النصر 19 مارس...

لقد حلّ مصطلح الاستقلال في الحَراك محلّ الاحتلال، فيا له من اختلالٍ كبير، ومن صدمةٍ نفسية لها تداعياتها ومفارقة عجيبة... في ظل هذا النظام!

سلطةٌ يشبّهها جزائريون بسلطة احتلالٍ ثانية؛ سرقت استقلال الجزائر وأصبحت تعبث بخيرات وثروات البلاد... فيما جزائريون وجزائريات يتودّدون على مواقع التواصل لشراء علبة دواء، أو لجمع مبلغٍ من المال للقيام بعملية جراحية في بلدٍ جار ليست له إمكانيات الجزائر، بكل تواضع.

وسلطةٌ تعلن أن آبار البترول بدأت تجفّ، فيما ظهرت آبار أخرى ومعادن في غير الصحراء الساحرة... ويكفي الإشارة إلى بئر عُثر عليه في قسنطينة مؤخرًا!

كم هو مؤلم أن ترى شعار "الجزائر الجديدة" وهو يتمرّغ أرضًا... تدوسه الأوضاع والوقائع التي يراها الناس بالعين المجردة، في طوابير سنة 2021 وقبل أيام من شهر الرحمة، حول قارورة زيت أو كيسٍ من دقيق... وقد كان الشعب الجزائري يرفض الإعانات التي يقدّمها المحتل، ويقبل الجزائريون أن تُقطع رؤوسهم على أن تُداس كرامتهم؛ لأنهم أصحاب مبادئ وليسوا أصحاب بطون!

كم هو مؤلم أن تقرأ أو تسمع أو تشاهد جزائريين يردّدون شعار: "مخابرات إرهابية DRS"، ويستبدلون نقمتهم وغضبهم وتوتّرهم الإيجابي المشروع نحو المنظمة السرّية الفرنسية OAS التي عاثت في الجزائر فسادًا وقتلت وشرّدت عائلاتٍ بأسرها... بجهازٍ سرّي جزائري، مهمّته محاربة الجوسسة وحماية مؤسسات الدولة الجزائرية من الاختراقات المختلفة ومراقبة أشكال التلاعب بالوطن... وقد شوّهه أوغادٌ بتعذيب جزائريين واغتصابهم وابتزازهم وقتلهم... وشوّهوا بذلك مؤسسة الجيش التي تُعتبر العمود الفقري لجسد الجزائر!

وكم هو مؤلم أن ترى أبناء مجاهدين وشهداء طالبي لجوءٍ في فرنسا، ويجدون فيها حريتهم ويشعرون فيها بالأمان، وهي التي احتلّت أرضهم ونكّلت بعائلاتهم إبّان فترة الاحتلال... ويستثمرون فيها أموالهم وأوقاتهم، ويفرّون إليها فرادى وجماعات عبر قوارب... بل وصل الأمر إلى أن يطلب إليها اللجوء ضبّاطٌ سامون كانوا بالأمس القريب يطلقون عنانهم في تشبيه بعض المعارضين بالخونة والمرتزقة وقطاع الطرق...!

وكم هو مؤلم أن تقرأ تعليقاتٍ بمناسبة عيد النصر لجزائريين وهم يردّدون: "غير لو كان خلاو فرنسا وما حَكموهاش هاذ السراقين... ولو كان يأتِ الاستقلال نحكي له ماذا فعل بيَ الاحتلال...!"

كم هو مؤلم أن ترى من كانوا بالأمس يحملون السلاح إلى جانب السلطة من المشطوبين أو من فئة المعاقين، ومنهم من فقد ذراعه أو رجله أو بُترت ساقه، أو فقد عينه أو أطرافًا من جسده... تراه يركض ويجري في الطرقات ويصرخ وهو مُطارَدٌ بالغازات السامّة والتدافع العنيف، يدافع عن حقٍّ يعتبره مهضومًا، وينادي: كيف لنائبٍ في المجلس الاستشاري، دخله بالمحاباة مستغلًّا الأوضاع الأمنية، اشتغل سنةً، يأخذ أضعاف ما أتقاضاه وأنا الذي دافعتُ بدمي عن عرين الوطن...؟

فيما كان هؤلاء القوم يأكلون ما لذّ وطاب، ويبيتون في الفنادق ونحن من نحرسهم؟ بل وصل الأمر ببعضهم إلى العلاج في فرنسا بعد الحصول على حقّ اللجوء!

وهانحن، بعد الإشارات التي ذكرتها، نسمع برفع مذكرة دولية للمطالبة بإعادة بعض الجنرالات الذين فرّوا إلى فرنسا مع بعض خدمهم الذين كانوا يسرّبون لهم الأخبار انتقامًا وتصفيةً للحسابات ضدّ عُصَب أخرى!

فما أحوجنا إلى النظر في المرآة نظرةً عميقة لتصحيح الأخطاء وردم الهوّة التي توسّعت بين المواطنين والسلطات المختلفة، وهدّمت ما تبقّى من ثقة، جراء عدم احترام الإرادة الشعبية وخَلفِ الوعود، واعتبار الشعب أنه لا يزال قاصرًا ولا يُحسن الاختيار، وتعيين أهل الولاء بدل أهل الكفاءة، وتخصيص منابر إعلامية لأهل التحريض والوشاية بدل دعم المخلصين وأهل الإصلاح!

إن سفينة الجزائر التي تتقاذفها الأمواج المتلاطمة من كل صوب، تحتاج إلى قادةٍ متخصّصين في علومٍ مختلفة، مخلصين وأمناء، للوصول بها إلى محطة الأمن والسلم والرخاء والازدهار، ونزع الألغام التي تعترضها، وعدم تركها تسير في الاتجاه الخاطئ؛ لأن الاستمرار في النهج نفسه وعدم الاكتراث بما حصل، سيؤدّي بشكلٍ آلي إلى اصطدام السفينة بصخرٍ تتكسر معه بوادر الأمل، وتضيع معه وحدة الجزائر – لا قدّر الله – وتصبح الجزائر عبارة عن دويلات... فاللهم اشهد أنّا قد بلّغنا.

نورالدين خبابه
25 مارس 2021

إرسال تعليق

[facebook]

أرسل رسالة نصية

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget