قبل أن أقرر الهجرة -القصة الثالثة: جواز السفر و الارهابي !
قبل أن أحدثكم عن جواز السفر وتهمة الارهابي التي تم اصطناعها في مخفر شرطة برج الغدير ضدي من طرف عون أمن... مع أنني لم أنتم الى أي جماعة مسلحة ولم أحمل سلاحا...والناس لايزالون أحياء وبإمكانهم أن يشهدوا ضدي...ذنبي أنني انتخبت على رئيس بلدية الفيس موسى شلاخ وناصرته وكذا النائب عبد الرشيد بولعواد...وقمت كغيري بالاحتجاجات في ولاية برج بوعرريج ضد الاعتداء على الارادة الشعبية بعد توقيف الانتخابات ووقفنا ضد الانقلاب وزمرة الانقلابيين بصدورنا العارية.
دعوني أحدثكم عن أمرين لفهم المسألة... فدونهما لن تستطيعوا فهم القضية والتهم الباطلة وشهادة الزور التي لاتزال تلاحقني وغيري من أحرار وحرائر الجزائر .كنت اشتغل سنة 1991-1990 بشركة بحرية وكان باستطاعتي أن أخرج للخارج دون تأشيرة ... الخ.
لم أكن أبدا أفكر في الهجرة أو الاقامة خارج قريتي...بل كنت أسعى كأي مواطن لنهضة بلدي ولم يكن لي أي طموح سياسي. الشيء الذي جعلني أفكر في الهجرة هو الظلم والتهميش وسدّ الافاق وبداية تفكك الأسرة ...واليكم بعضا مما عانيته.
بعد أن أصبنا بالنكسة سنة 1992 ودخلت الجزائر في فتنة عظيمة ...تم توقيفي من العمل في ثانوية برج الغدير سنة 1994 بعد أن اقتنعت بالعمل بالقرب من والداي وتركت الفندقة والسياحة التي كان يتمناها أغلب الشباب...وتم استبدالي بشخص أخوه كان مسؤولا في الأكاديمية وليس له أي مؤهلات علمية..."مع التحفظ مراعاة للعائلة" كما منعت من العمل بعدها في مركز التكوين المهني بعد أن قبل طلبي وتم تعيين شخص مكاني ليست له أي مؤهلات..."مع التحفظ مراعاة للعائلة" للعلم أنني كنت تقني سامي في السياحة.
و تم غلق محلي بقرار تعسفي سنة 2000 في نفس اليوم الذي تم فيه حظر حركة الوفاء والعدل التي كنت أحد أعضائها المؤسسين 25 رفقة وزير الخارجية أحمد طالب الابراهيمي...بعد أن شبعت أنواع الظلم في محلي...ولازلت الى اليوم أحتفظ بصور هدم الجدار..."مع التحفظ مراعاة للعائلة". وسأعود الى قضية قراري النهائي للهجرة في مقال مستقل وأذكر الاتهامات والتهديدات التي وصلت حد التصفية الجسدية والسبب الرئيسي الذي دفعني دفعا لمغادرة بلدي ودموعي تهطل وقد تركت والدي على فراش الموت.
في ساحة المسجد بقريتنا كنت في دردشة مع اخوة بعد صلاة العشاء...فسمعت صراخا يعلو المكان بالقرب من الجيران ...صعدت الى الطريق لأتطلع الأمر...وإذا بشباب من "حي الشواثرة بقريتنا لايزالون أحياء كلهم... دخلوا في ملاسنة كلامية مع أحد أعوان الشرطة آنذاك واسمه عمار زواوي وهو عائد...احتفظوا بهذا الاسم الى حين ...
اقتربت منهم فوجدتهم يقومون بحفر قصد تمرير أنبوب صغير للماء على عمق صغير ... لسيدة من أفراد العائلة. سألتهم وإذا بسي عمار يضع نفسه مشرعا وقاضيا وخصما وضحية وآمرا ناهيا وكأنه خالد نزار... وكان الامر سيكون أقل من العادي لو تفهم القضية وتواضع لاخوانه وصبر دقائق معدودة لأننا نسكن قرية واحدة ودرسنا في مدرسة واحدة ...وغالبا ما تمر سيارة في الليل ...يعني القرية وقتها لا يوجد بها أكثر من 15 سيارة. والشباب المتطوعون استغلوا الفترة الليلية لتمرير الأنبوب لسيدة ترعى اليتامى دون احراج المارة.
أكثر سي عمار من صراخه وتعنتره على الشباب هناك فقلت لهم: اعملوا ياشباب واخبط راسك في حيط واش تحسب روحك؟ نعرفك ونعرف تفاصيل دخولك الشرطة ونعرف كيف دخل أخوك القضاء ووووو. قام الشباب على عجل بتسوية الطريق ومر سي عمار بالغولف البيضاء...وانتهى الموضوع وافترقنا.
بدأت أقتنع أكثر بالهجرة وقد ذهبت مرتين الى تونس للسفارة البريطانية كون أن الجزائر كانت محاصرة ... رفقة أحد أصدقاء الطفولة الذي كان دركيا سابقا وهو عبد النورم...ولم نوفق في الحصول على التأشيرة. أثناء عودتنا شعرت بمتابعة لي من طرف المدعو زواوي عمار كون أنه تداعى الى سمعه أنني أفكر في الهجرة ...وكان يتابع حركاتي هو وغيره من عناصر الشرطة ويراقبوني وأعرفهم بالأسماء والعناوين .
انتهت مدة صلاحية جواز سفري ولم أوفق للهجرة...فاضطررت لإعادة جواز السفر وتجهيز نفسي للسفر في أية لحظة خاصة بعد أن قتل أحد أصدقائي ذبحا وهو محمد خيتاتي رحمه الله وكذا اختطاف عيسى بتيش الذي كنت تحدثت عنهما في رواية ليلة الانقلاب... وكتبت عنهما منذ سنوات. سنة1997 تقدمت بطلب تجديد جواز سفري...وفوجئت بقدوم ضابطين لمحلي التجاري الكائن بحي السعادة بدائرة برج الغدير بعد أيام.
دخلا المحل وبادرني أحدهم بالكلام: أنت نورالدين خبابه؟ قلت نعم...خير ان شاء الله...قال أنا فلان ضابط في الشرطة وزميلي كذلك ، لديك ملف جواز سفرك عندنا...ولكن أريد أن أحدثك في أمر هام...قلت تفضل ياسيدي... روى لي أمورا خاصة به وكان متوتر الى حد الانهيار...شعرت بمرارة وضعه وتفهمته وتعاطفت معه...فما أصعب الوضع الذي كان فيه ...ياحليل...
قال: أنا لم أكن أعرفك من قبل وهذا أمر عادي كون أنني لست من برج الغدير المدينة ...ولكنني سألت عنك وعن عائلتك وأعرف بعضا منهم ...فيشرفني الحديث معك...فقلت له مرحبا...قال: جئت اليك في أمر خطير للغاية أخبرك به وأنصحك أن تحتاط فهناك شياطين وأولاد حرام ...الخ.
عمار زواوي قال في مركز الشرطة بأنك ارهابي ورفض أن يٌمنح لك جواز السفر ...ولذلك الحمد لله الذي سخرني في الوقت المناسب لأفعل لك شيئا وأجنبك مشقة... فجواز سفرك بيدي وأنا المسؤول عنه...أغلق محلك الآن واذهب الى الدائرة لتستعيد جواز سفرك واحذر أن تتأخر ربع ساعة...لأنك لو تأخرت فإنك لن تحصل عليه أبدا...
شكرته واستجبت على الفور لطلبه وأغلقت المحل ونزلت الى الدائرة...فوجدت الأخ الطاهر خبابه وهو المسؤول عن الجوازات...وبمجرد أن دخلت سألني: مالذي جاء بك؟ قلت جواز السفر، قال: لم يحضر بعد، قلت له أنا جئت خصيصا لذلك وقد كنت للتو مع الضابط الفلاني وقد جاء به بنفسه...قال إنتظر قليلا ...ذهب ثم عاد و فتح العلبة التي كانت وصلت للتو ...وأعطانيه.
خرجت من الدائرة فوجدت سي عمار زواوي يحوم هناك...وصدق الضابط الذي حذرني منه. بقيت أراقب الوضع ولا أمل لي بعد الله.أخرت هجرتي بعدما شرعت في عملي الجديد و ترشح أحمد طالب الابراهيمي سنة 1999 لرئاسة الجزائر وكنت ممثله في ولاية برج بوعرريج ومنذ حظر الحركة سنة 2000 وكذا أحداث القبائل سنة 2001...قررت الهجرة وسأعود الى التفاصيل والأسباب في مقال آخر. فقصة جواز سفري اليوم بعد 18 سنة من الهجرة المحتومة قد تكون مربوطة بالتقارير الأمنية الكاذبة والمغلوطة وبشهادة الزور...من طرف الجهلة والحاقدين.
إذا كان في التسعينيات من كذب عني وأراد أن يقتلني لأسباب تافهة خدمة لأسياده وطمعا في الترقية ... فكيف الآن وقد تحدثت عن الجهاز الدموي والأرباب في وسائل الاعلام وذكرت الأسماء والشهادات التي تدين العصابات وتفضح أساليبهم ... والدولة العميقة التي كانت ترعاهم وتوظفهم؟ نورالدين خبابه 22 جويلية 2019
تجدون في المرفق: نسخة من التأشيرة الأولى لفرنسا أين فضلت الانتظار وعدم الهجرة حتى أغلقت كل الأبواب. انتهت صلاحية التأشيرة الأولى كما توضح التواريخ دون أن أدخل فرنسا...وفي التأشيرة التي بعدها قررت بشكل نهائي الهجرة.
إرسال تعليق