معارضة المعارضة


المعارضة ليست مهنة بالصياح ولا شهادة تُمنح في الفضائيات بالتبراح، والمعارضة ليست شارة تمنحها مدرسة بن عكنون عبر صحفها على بعض الضبّاط الذين لازالوا يعملون لمصالح استخباراتية وخرجوا للطعن في شهادات بعض الضباط الذين أنّبتهم ضمائرهم ووقفوا إلى جانب شعبهم لامع الجلاّدين، أو لضرب مصداقية بعض الإعلاميين الساطع نجمهم أو بعض المعارضين الذين يزعجون النظام بخرجاتهم، إنّما بديل مُتمثل في برنامج سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي... يحلّ محلّ برنامج من بيدهم الحكم، فتجد المعارض، يعارض النظام ويسعى لتطبيق البرنامج الذي يناضل من أجله، فيستعمل الكياسة والفراسة والأخذ بالممكن.

في ظل الغفلة وثقافة "أخطي راسي" وغياب الوعي والضمير وفي غياب طبقة سياسية حقيقية، نشأت بعض الأحزاب المجهرية وأصبحت تنتشر كالفطريات، فلا برامج ولا رجال، حتى أنها أضحت نكتة يتسلّى بها البعض، وغاب مفهوم الكفاءة والنزاهة ومُيّع شعار "الرجل المناسب في المكان المناسب" واستُبدل بصاحب "الاكتاف والشكارة".


انتشرت الأنانيات وحبّ الذات، وعمّت المحسوبية والرشوة والجهوية وتوسّعت الهوّة بين المواطن ومن بيدهم القرار واختار الكثير من الشباب المحبط الهروب من الواقع المرير، فمنهم من قطع البحر حرّاقا وشعاره "يأكلني الحوت ولا معيشة الذّل" ومنهم من مات عطشا في الصحراء بحثا عن منفذ ومنهم من دُفع دفعاً إلى حمل السلاح ومنهم من أصبح عميلا يخدم مصالح أجنبية دون أن يدري ومنهم من دخل عالم الكوكايين والهيروين ومنهم من دخل عالم الهلوسة ومنهم من استسلم لليأس وأصبح دون إرادة ومنهم...

وفي غياب العدالة وانتشار الظلم والمحسوبية والآفات الاجتماعية، أصبحت القوّة هي القانون السائد "قوة الترهيب وقوة الترغيب" فهي سيف مُسلّط على رقاب الضعفاء والمحتاجين، وتمكّن المحتالون من السطو على الفقراء والمساكين والسذّج واشرأب السحر والشعوذة وأصبحت الرذيلة والرشوة والمحرّمات تمارس على الهواء فلا وازع ولا هُم يحزنون.

من المفترض أن يكون المعارض صاحب برنامج سياسي بديل، وليس مُجرّد لقب أجوف يُستعمل لمخادعة الكادحين، وتغليط الرأي العام.

بعض من لُقّبوا بالمعارضين لم ينتموا يوما إلى حزب سياسي ولم يسبق لهم أن ناضلوا أو حضروا مؤتمرا أو جمعية عامة أو أثرَوا قانونا داخليا، وآخرون يعملون في جمعيات تزعم أنها غير حزبية "فاعتمادها يتطلّب عدم الانتماء"، فتجده يستعمل ملفات لصالح حزبه وهو لا يفرّق بين الحياد والانتماء، ولا يفرّق بين النضال الحزبي والنضال في مجال حقوق الإنسان "ثقافة غير هاك".

هناك من كان إلى وقت قريب يعمل في أجهزة النظام ويضرب بيدٍ من حديد أبناء الشعب في حواجز مزيفة، ويعتدي على المحارم وعلى الأملاك، وعندما استغنى مسؤولوه عن خدماته بطرده أو تهميشه تحوّل بقدرة قادر إلى باحث عن الأضواء من خلال استعمال كلمة "معارض" التي أصبحت رائجة في غياب المعارضة، حتى أنّ بعض من ابتليت بهم الأمة لا يفرّقون بين انتقادهم للنظام وانتقادهم للشعب، فلا برامج يعملون من أجلها ولا أهداف مُسطّرة تستطيع أن تُحدّدها لهم، من كثرة التناقضات والأسطوانات المشروخة التي باتوا يردّدونها في كل مكان والكذبات التي تظهر كل يوم.

المعارضة ليست نقدا ولا مخالفة رأي، وإنّما، كما أسلفت، برنامج بديل، يناضل من أجل تجسيده المعارض، قد يصل إلى مبتغاه وقد لا يصل. الغريب أنّ بعض الناس من كثرة التقلّبات، اخترعوا نوعا جديدا من النضال وهو خدمة النظام بمعارضة المعارضة، أي أنهم ينوبون عن النظام في تتبع المعارضين، من خلال التجسس عنهم أو ابتزازهم، أو الطعن في شهاداتهم، أو تهديدهم وتخويفهم... ويحاولون تمييع كل القضايا التي ما من شأنها أن تدفع لدفع تحقيقات وتضع النقاط على الحروف.

كلّ هذا من أجل ثنيهم وإرباكهم لتبقى المبادرة عند النظام ويستمروا هم في الاسترزاق مُطبّقين مثلا شعبيا في الشرق الجزائري لأحد الفرق الكروية التي لا يوجد في قاموسها الانهزام "رابحين قاتلينكم خاسرين قاتلينكم".


نورالدين خبابه 29-08-2010

إرسال تعليق

[facebook]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget