في يوم شهادة ميلادي بالجزائر !

شهادة ميلادي

بعد 18 سنة من هجرتي المحتومة، حيث ضيعت على نفسي وعلى عائلتي الكثير...
 قرّرت وأنا في كامل قواي العقلية أن أجعل ذكرى 1 نوفمبر 2018  مناسبة لوضع حد لمعاناتي النفسية، التي ترتبت بعد  إقدامي  على طلب اللجوء السياسي مكرها،  ذات جويلية.  تفاصيل لجوئي سأرويها في كتاب منفرد.

كانت  ذكرى أول  نوفمبر لهذا العام إشراقة جديدة على شخصي المتواضع وعلى عائلتي،  حيث استعدت فيها جواز سفري الأخضر القديم...

و ياله من شعور جعل ابني يرقص ويزغرد...كيف لا، وهو الذي كان لا يشعر  بالفرحة في المناسبات المختلفة التي مرت، وهو يرى أباه  مكسور الخاطر ولا يتذكر  من طفولته معي الا حبة دلاع  وعدته بها ومن ثم لم يراني الا بعد سنوات.

قد يضحك الضاحكون، ويهزأ المستهزئون والمستهترون...لحصولي على شهادة ميلادي بالجزائر... وقد يعتبر البعض ممن لا يفقهون الكلام أن هذا الأمر لا يستدعي مقالا أو خاطرة. ولكن هذا الإحساس لا يعرفه الا من عاش 18 سنة لاجئا سياسيا، وربما أكثر لمن فقدوا جوازات سفرهم...ودخلوا الأقفاص المختلفة للترويض النفسي ...وفقدوا الغالي والنفيس...وحرموا من جو العائلة في المناسبات المختلفة.

 دخلت فجأة الى البيت، فوجدت أبنائي وزوجتي في فرحة غامرة...فتساءلت عن السبب...فأجابني أحد أبنائي : أبي: ألا تشعر ما نشعر به؟ وهو يحدق الي مستغربا عن برودة تعاملي مع الحدث، وكنت أخبرته قبل أن أفترق معه في المركز التجاري ، أنني استعدت جواز سفري القديم.

قلت له: يا ولدي، لقد فقدت حرارة  الشعور العاطفي عند أول يوم سلمت فيه جواز سفري، واختلطت علي الذكريات، ولم أعد أعرف طعم الكثير من الأشياء...نتيجة لفقدان جزء من هويتي...ولا يمكن بسرعة  أن أستعيد حرارة الشعور...لأن المسألة ليست  مجرد وثيقة بل لها أبعاد أخرى لم أكن أشاركك فيها ولا العائلة ... وظللت طيلة هاته السنوات أتجرع  تداعيات قراري لوحدي  دون أن أحسسك بمعاناتي حتى لا أعكر عليكم الأجواء الدراسية وأفسد عليكم أحلامكم.

أنا  الآن مثل العصفور الذي كان في قفص حتى ولو كان ذهبيا، وكان يطعم ووووو  وقصت جناحاه ...والآن خرجت للتو من هذا القفص النفسي  ويلزمني وقتا  حتى استعيد بعض ما فاتني ولكن هناك أشياء لا يمكنني أن أعوضها...كيف أفرح يا ولدي؟  وأنا أعود الى البيت الذي فقدت فيه أمي وأبي...؟ يا وجعتاه : أي أم ستحتضنني عند اللقاء؟  وأي أب يمسح على رأسي...؟
إنه شعور مختلط لا يعرفه الا من يعيشه ..

أكتب هذا المقال بعدما تحصلت اليوم على شهادة ميلادي، في انتظار الحصول على جواز سفري ...وتملكني شعور خاص... أحيانا بالحسرة والألم وأحيانا بالتفاؤل.

لم أتحصل على شهادة الميلاد لأنني كنت مجهول الهوية، فأنا معروف النسب أبا عن جد... أو لأنني ولدت في بلد آخر ...
لم أخن بلدي بل كنت دائما الوفي له والمدافع عنه...وتحصلت على شهادة ميلادي في الوقت الذي يتمنى فيه كثيرون الهجرة ويمزقون وثائق هويتهم، ومنهم من يتمنى أن يحصل على جواز أحمر...بل منهم من يدفع الرشاوى لذلك ....وأتمنى أن تكون الفرصة ميلادا جديدا ليس لشخصي، بل ميلاد عهد جديد في الجزائر.

إنه شعور بدأ يتملكني وكأنني ولدت من جديد، بعدما كدت أفقد  طعم الفرح والابتسامة، وكدت أضيع صوتي ... وبدأت أشعر أن الضغوط النفسية في تلاشي...أتمنى في الأخير أن تكون عودتي  فاتحة لميلاد  مشروع المصالحة الحقيقية في الجزائر، ونافذة  لعودة اللاجئين الذين خرجوا مكرهين...ولاقوا الويلات بعيدا عن أعين الإعلام ... وما ذلك على الله بعزيز.شكرا لمن طلب شهادة ميلادي في الجزائر،  ومن رقنها، ومن وقعها، ومن أرسلها.

نورالدين خبابه 08 نوفمبر 2018

إرسال تعليق

بعد الغيوم تشرق الشمس...الله يحفظك

[facebook]

MKRdezign

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.
Javascript DisablePlease Enable Javascript To See All Widget